(البقرة: الآية ٢٥٣) ، حيث صرح أولا بما على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بقوله:{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ}[البقرة: ٢٥٣](البقرة: الآية ٢٥٣) ولا شك في اشتهار موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالكلام، ثم صرح باسم عيسى بقوله تعالى:{وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}[البقرة: ٢٥٣](البقرة: الآية ٢٥٣) ، وذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم بطريق الإبهام والإضمار بقوله:{وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}[البقرة: ٢٥٣](البقرة: الآية ٢٥٣) إشارة إلى ما ذكرنا. وعليه قول الحطيئة لجرير: من أشعر الناس؟ فقال: زهير والنابغة، ثم قال: لو شئت لذكرت الثالث. أراد به نفسه، ولو قال: لذكرت نفسي، أو قال: زهير والنابغة وأنا لم يقع كلامه مؤذنا بتعظيمه بل كان فيه نوع نقص على ما لا يخفى.
م:(إلى سبل الحق) ش: تعلق بقوله " هادين "، وإنما أخره لإقامة السجع. والسبل بضمتين جمع سبيل، وهو الطريق، يذكر ويؤنث، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}[يوسف: ١٠٨](يوسف: الآية ١٠٨) فأنث، وقال:{وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}[الأعراف: ١٤٦](الأعراف: الآية ١٤٦) فذكر، ويصح في الجمع تسكين الباء أيضا، والحق خلاف الباطل.
قلت: الحق مستعمل في معان:
أحدها: النزول، يقال: حق يحق، إذا نزل.
والثاني: الوجوب، يقال: حق عليه: إذا وجب.
والثالث: الصدق والصواب، يقال: قوله حق: أي صدق وصواب.
" ومعناه في الاصطلاح: الحق ما غلب حجة وأظهر التمويه في غيره "
م:(هادين) ش: نصب على أنه صفة لقوله: " رسلا وأنبياء " ويقال: نصب على الحال من رسلا وليس بصحيح؛ لأن الحال من النكرة لا يصح إلا بتقديم ذي الحال على الحال. وقد علم أن حق الحال أن يكون نكرة، وحق ذي الحال أن يكون معرفة، للفرق بينهما وبين الصفة والموصوف، فقيل: لأن الحال هو الخبر في الحقيقة، والخبر حقه التنكير.
قلت: هما يتفقان في هذا، ولكنهما يفترقان من وجوه، الأول: أن الحال ما يحتمل الأوصاف فيميز بأحد الأوصاف، والتمييز ما يحتمل الأجناس فيميز بأحد الأجناس. الثاني: أن الحال لا ينقسم إلى ما يقع عن المفرد والجملة والتمييز إلى ذلك، ففي الجملة نحو: طاب زيد نفسا، فالإبهام في النسبة، وعن المعرف نحو: عندي دامور خلافا الإبهام في دامور. والثالث: أن " نفسا " ليس هو " زيد " في المثال المذكور، وإنما هي شيء منه، وراكبا في قولك: جاءني زيد راكبا هو زيد كله. والرابع: التقدير في المثال المذكور، وإنما هي شيء منه، وراكبا في قولك: وطابت نفسه فالفعل للنفس وليس لزيد، وفي جاءني زيد راكبا الفعل لزيد وراكبا تبع له.