للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر، بذلك جرى التوارث ولم يكن على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا هذا الأذان،

ــ

[البناية]

له وروي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سمعت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقرأ: "فامضوا إلى ذكر الله"، وعنه: ما سمعت عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قط يقرأها إلا "فامضوا إلى ذكر الله"، وروى الأعمش عن إبراهيم: كان عبد الله يقرأها: "فامضوا إلى ذكر الله"، ويقول: لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وهي قرابة أبي العالية، وعن الحسن ليس السعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا المسجد إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع.

وعن قتادة أن تسعى بقلبك وعملك وهي المشي إليها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: السعي في هذا الموضع هو العمل، قال الله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤] [الليل، الآية: ٤] وقال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] [النجم، الآية: ٣٩] ، وقَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] [الجمعة، الآية: ٩] ، إلى موعظة الإمام، وقيل: إلى الخطبة والصلاة.

قوله {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] [الجمعة، الآية: ٩] ، يعني البيع والشراء، لأن البيع يتناول المعنيين، وإنما خص البيع من بين ما يذهل عن ذكر الله من سوى على الدنيا، لأن يوم الجمعة تهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم وينصبون إلى المصر من كل أوب فيوقت هبوطهم واجتماعهم واعتضاض الأسواق بهم إذا انفتح النهار وتعالى الضحى وفي وقت الظهيرة، وحينئذ تجر التجارة، ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت يبطله الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى مسجد الله، قيل لهم أدوا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله لا شيء أنفع منه وأربح وذروا البيع الذي نفعه يسير وربحه مقارب، قوله "ذروا" من يذر الدعوى من يدع، وأما ثور يذر ويدع إلا ما جاء في قراءة شاذة "وما ودعك ربك" بالتخفيف.

م: (وإذا صعد الإمام المنبر جلس) ش: بكسر الميم من المنبر وهو الارتفاع، والقياس فيه فتح الميم على ما عرف في موضعه. م: (وأذن المؤذنون بين يدي المنبر) ش: هذا هو الأذان الأصلي الذي كان في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من بعده، ثم حدث الأذان الآخر وهو الأذان الأول في عهد عثمان كما ذكرنا. م: (بذلك) ش: أي بالأذان بين يدي المنبر بعد الأذان الأول على المنارة.

م: (جرى التوارث) ش: من زمن عثمان بن عفان إلى يومنا هذا. م: (ولم يكن على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا هذا الأذان) ش: أي الأذان الذي يؤذن بين يدي المنبر حين صعد الإمام المنبر، لما روى البخاري من حديث السائب بن يزيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال «: كان البداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فلما أن كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكثر الناس زاد النداء على الزوراء» كما ذكرناه، وعن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو أذان المنارة؛ لأنه لو اشترطوا الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة وسماع الخطبة، وربما يفوته أداء الجمعة إذا كان المصر بعيد الأطراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>