قلنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة
ــ
[البناية]
لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد» وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في " مستدركه " وسكت عنه.
م: (قلنا: فعله مرة وتركه أخرى لم يكن سنة) ، ش: هذا جواب عن أبي حنيفة عن رواية ابن عباس التي احتجا بها، أي فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ذكره من الصلاة في الاستسقاء مرة واحدة وترك مرة أخرى.
وقال الأكمل: قلنا: إن ثبت ذلك دل على الجواز، ونحن لا نمنعه، وإنما الكلام في أنها سنة أم لا، والسنة مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وها هنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن فعله أكثر من تركه حتى يكون مواظبة، فلا يكون سنة. انتهى.
قلت: فيه نظر من وجوه، الأول: قوله " إن ثبت ذلك " غير سديد، لأنه ثبت، نص عليه الترمذي كما ذكرنا عنه الآن.
والثاني: قوله " والسنة ما واظب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ليس كذلك، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا واظب على شيء يكون واجبا.
والثالث: وارد عليه وعلى المصنف أيضا، وهو قوله: فعله مرة، وتركه أخرى، فلم يكن فعله أكثر من تركه حتى يكون مواظبة، لأنه لم يدل الدليل على أنه فعله مرة.
وقال الأترازي في الجواب فيما ذهب إليه الشافعي في أنه يكبر في الاستسقاء كتكبيرات الزوائد من صلاة العيد أنه لم ينقل عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها التكبيرات كما نقلت في العيد.
قلت: هذا أيضا غير سديد، لأن ما ذكر الآن أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر كتكبيرات العيد في صلاة الاستسقاء، ولو اطلع عليه كأن يقول لأنه نقل، ولكنه ضعيف.
وقال الأكمل: فإن قيل كلام المصنف متناقض، لأنه قال أولا ولم يرو عنه الصلاة، ثم قال لما روي عنه فالجواب أن المروي لما كان شاذا فيما تعم به البلوى جعله كأنه غير مروي.
قلت: لا نسلم أن المروي شاذ، لأن الشاذ عند أكثر المحدثين أن يروي الراوي ما لا يرويه الثقات سواء خالفهم أو لا، والمروي رواه غير واحد من الصحابة منهم عم عباد بن تميم، قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستسقي وصلى ركعتين....» الحديث، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وعم عباد بن تميم هو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني.