للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقلب القوم أرديتهم، لأنه لم ينقل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم بذلك

ــ

[البناية]

وأجيب عن الأول أنا لا نسلم أنه تعليل في مقابلة النص، بل هو من باب العمل بالقياس لتعارض النصين بالنفي والإثبات وذلك لأن ما احتج به محمد مثبت، وما احتج به أبو حنيفة ناف، وهو حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا شكى إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هلاك المال وجهد العيال، فدعا الله واستسقى» قال البخاري: ولم يذكر أنه حول رداءه، وفيه نظر لأن المصنف لم يذكر ما احتج به أبو حنيفة من الحديث، وإنما ذكر ما احتج به من القياس، ووجه النظر أنه عمل بالقياس مع وجود الحديث الصحيح.

وأجيب عن الثاني بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يجوز أن يكون علم بالوحي أن الحال ينقلب إلى الخصب من قلب الرداء، وهذا مما لا يتأتى من غيره، فلا فائدة في التأسي ظاهرا فيما ينفيه القياس، وفيه نظر، لأنه لا يلزم أن يعلم الحكمة فيما فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حتى يأتي به فيه، وكيف يقال لا فائدة في التأسي ظاهرا، ومجرد التأسي عين الفائدة لوجود صورة الاتباع به - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولو كان في أمر غير واجب التأسي بفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كيف يترك بالقياس، وهو في الدرجة الرابعة.

م: (ولا يقلب القوم أرديتهم) ، ش: لا يقلب بالتشديد، لأنه للتكثير بخلاف قوله - ويقلب رداءه - فإنه بالتخفيف والأردية جمع رداء، وعدم تقليبهم أرديتهم نحو قولنا قول سعيد بن المسيب وعروة والثوري والليث بن سعد وابن عبد الحكم وابن وهب من المالكية وعند مالك والشافعي وأحمد القوم كالإمام فيه، م: (لأنه لم ينقل أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمرهم بذلك) ، ش: أي لأن الشأن لم ينقل أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر أصحابه بذلك، أي بتقليب الأردية حين كانوا معه في صلاة الاستسقاء.

قيل فيه نظر، لأنه استدلال بالمنع وهو غير جائز، لأنه احتجاج بلا دليل، وأجيب بأن الاستدلال بالنفي إنما لا يجوز إذا لم تكن العلة متعينة، أما إذا كانت فلا بأس به، لأن انتفاء العلة الشخصية تستلزم انتفاء الحكم، ألا ترى إلى قول محمد في ولد المغصوب أنه لا يضمن، لأن اسم المغصوب لم يرد عليه.

فإن قيل: إن القوم قلبوا أرديتهم حين قلب النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رداءه، ولم ينكر عليهم أجيب بأن قلبهم هذا كخلعهم النعل حتى رأوه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خلع نعليه، في صلاة الجنازة، فلم يكن ذلك حجة، فكذا هذا.

قلت: لقائل أن يقول لم ينقل عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه عرف ذلك منهم. بل الظاهر أنه لم يعرفهم، لأنه كان مستدبرا لهم، فإذا كان كذلك فلا يصح قياس ذلك على خلع النعال.

<<  <  ج: ص:  >  >>