وفي " البدائع " يغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة وينجى عند أبي حنيفة، كما كان يفعله في حال حياته، وعندهما لا ينجى، وفي " المحيط " و " الروضة " لا ينجى عند أبي يوسف ويغسل سرته بخرقة يلقها على يده، وقيل يجعل الغاسل عل إصبعه خرقة يمسح أسنانه ولهاته ولبته ويدخلها في منخريه أيضا.
م:(ونزعوا ثيابه ليمكنهم التنظيف) ش: أي تنظيف الميت، وعن مالك مثله، وهو ظاهر قول أحمد وقول ابن سيرين.
وقال الشافعي وأحمد في رواية: المستحب أن يغسل في قميص واسع الكمين، وإن كان ضيق الكمين خرقهما، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسل في قميص فما كان سنة في حقه فهو سنة في حقنا. قلت: نص الشافعي أنه يستحب أن يغسل الميت في قميص يلبس عند إرادة غسله، وصرح به المسعودي والرافعي، ويدخل الغاسل يده في كمه، ويصب الماء من فوق القميص ويغسل من تحته، واستدل على ذلك بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء عليه ويدلكونه من فوق القميص» رواه أبو داود، وقال النووي: إسناده صحيح.
قلت: قيل إنه ضعيف، ولئن سلمنا صحته فنقول كان ذلك من خصائصه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يدل على ذلك ما رواه أبو داود «عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول: لما أرادوا غسل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، اغسلوا رسول الله وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص دون أيديهم» .
وكانت «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه» يعني لو علمنا أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يغسل بعد الوفاة، ما غسله إلا نحن، وهذا يدل على أن عادتهم كانت تجرد موتاهم، كان في زمان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عند غسلهم، وخص من ذلك النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأجل احترامه وتعظيمه، ولأنه إذا غسل في قميصه ينجس القميص بما يخرج منه، وقد لا يطهر بصب الماء عليه، فيتنجس الميت به، بخلاف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنه كان مأمونا في حقه؛ لأنه كان طيبا حيا وميتا، على أن مذهبهم خلاف ما فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فإنه لم يلبس قميصا عند غسله، بل غسل في قميصه الذي مات فيه إن صح الحديث به.