عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين، أي غير عازمين للصوم ولا آكلين، فإنه بعد الأكل يتعين الفطر، فلا يبقى بعده متلوم وإفطار وإما تحقق التلوم مع الإمساك بلا نية، حتى إن تبين أنه في شعبان أكل، وإن تبين أنه في رمضان فلا حرج، ولو كان الصوم لا يصح بنيته في النهار في الفرض لم يكن للتلوم معنى.
وفي حديث مشهور «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في يوم عاشوراء ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فيلصم» . أمرهم بالصوم من النهار، فثبت أنه جائز، وتبعه الكاكي، فذكر جميع ما قاله.
وقال في الحديث الذي احتج به المصنف لا يعرف، وإن المروي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن أذن في الناس [أن من أكل] فليصم بقية يومه فليصوموا» فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قلت: الحديث المشهور هو الذي رواه البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه دليل على من أن تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجوز بها قبل الزوال.
فإن قلت: قال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التحقيق لم يكن صوم يوم عاشوراء واجباً فله حكم النافلة يدل عليه ما أخرجاه في الصحيحين «عن معاوية سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإني صائم، فصام الناس» . قال وفيه دليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء.
قلت: معنى حديث معاوية ليس مكتوباً عليكم الآن ولم يكتب عليكم بعد أن فرض رمضان، وهذا ظاهر، فإن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من مسلمة الفتح وهو إنما سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما أسلم في سنة تسع أو عشر بعد أن نسخ صوم عاشوراء برمضان، ورمضان فرض في السنة الثانية.
«وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان [يوم] عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، ولما فرض رمضان قال من شاء صامه، ومن شاء تركه» متفق عليه.
وعن عائشة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن صوم عاشوراء كان فرضاً قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان فمن شاء صام، ومن شاء