ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بلياليهما. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الليلة الأولى؛ لأن المثنى غير الجمع، وفي المتوسطة ضرورة الاتصال.
ــ
[البناية]
فإن قيل: الحقيقة منصرف اللفظ بدون قرينة ونية، فما وجه قوله: لأنه نوى الحقيقة؟
أجيب: كأنه اختار ما ذهب إليه بعضهم أن اليوم مشترك بين بياض النهار، ومطلق الوقت واحد، ومعنى المشترك يحتاج إلى ذلك لتعيين الدلالة لا لنفس الدلالة، وعلى تقدير أن يكون مختاره ما عليه الأكثرون، وهو أنه مجاز في مطلق الوقت، فجوابه أن ذكر الأيام على سبيل الجمع صارف له عن الحقيقة فيحتاج إلى النية دفعاً للصارف عن الحقيقة لا للدلالة.
م:(ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بلياليهما) ش: هذا ظاهر الرواية؛ لأن الليلتين تتناولان يومهما عرفاً، يقال: أرك منذ ليلتين، فيدخل الغروب في اليوم الثاني، ولو نذر اعتكاف [ليلة لا يصح لأنه لا يتناول يومها، والليلة ليست بمحل للصوم، وإذا نذر اعتكاف] يوم صح.
م:(وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تدخل الليلة الأولى؛ لأن المثنى غير الجمع) ش: كون المثنى غير الجمع ظاهر، ولما كان كذلك كان لفظ المثنى ولفظ المفرد سواء، ولو قال: علي أن أعتكف يوماً لم تدخل ليلته بالاتفاق، فكذا في التثنية.
م:(وفي المتوسطة) ش: أي في الليلة المتوسطة وهي الليلة الوسطى م: (ضرورة الاتصال) ش: يعني اتصال البعض الآخر بالبعض، وهذه الضرورة لم توجد في الليلة الأولى قيل: إن أبا يوسف ترك أصله لأن المثنى له حكم الجمع عنده كما في مسألة الطريق ومحاذاة النساء، وجوابه يحتمل أن يكون روايتان في أن المثنى له حكم الجمع أم لا.
وقال الأكمل: فإن قيل: لما كان المثنى غير الجمع وجب أن لا يكتفى في الجمعة بالاثنين سوى الإمام، وقد اكتفي بالاثنين كما تقدم في باب الجمعة.
أجيب: بأن الأصل ما ذكرت ها هنا بأن العمل فيه بأوضاع الوحدان والجمع، إلا أني وجدت في الجمعة معنى لم يوجد في غيرها، وهو أنه إنما سميت جمعة لمعنى الاجتماع، وفي الجماعة والتثنية ذلك، فإن كانت التثنية في تحقيق معنى الاجتماع كالجمع، فاكتفيت بها، انتهى.
قلت: كلامه بهذه العبارة يوهم أنه هو القائل بما قاله حيث أسنده إلى نفسه وليس كذلك، فإن القائل لهذا هو أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال في " النهاية ": وأما أبو يوسف فيقول كان من حق حكم التثنية أن يغاير حكم الجمع في كل موضع، لأن فيه عملاً بالأوضاع وهو وحدان وتثنية وجمع، إلا أني قد وجدت في الجمعة، فذكره إلى آخر ما ذكره الأكمل.