واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد، والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال،
ــ
[البناية]
م:(واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد) ش: هذه جملة مستقلة بذاتها، وليس لها موقع من الإعراب، لعدم وقوعها موقع المفرد، وتعلقها بما قبلها كأنها جواب عن سؤال نشأ عن الكلام المتقدم، تقديره أن يقال: لما كانت الحوادث كثر وقوعها، والنوازل تضيق عنها موضوعات الأوائل فكيف قنص ما كان شاردا منها إذا لم يوقف عليه من عين النصوص؟
فأجاب بقوله:" واقتناص الشوارد بالاقتباس من الموارد "، يعني: اكتساب النوازل من الحوادث التي تعثر دركها، ويحتاج فيها إلى الاستنباط بالقياس، والأخذ من موارد النصوص، يعني: بالإطلاع على الأوصاف المؤثرة، وفيه إشارة أيضا إلى أنه قادر على الاستنباط فيما لم يرد عن السلف، ولم يؤثر عنهم مطلقا على مناط الحكيم.
" الاقتناص ": من اقتنص: إذا اصطاد وكذلك قنص ومصدره قنص بالسكون. وأما القنص بتحريك النون، فهو الصيد، والشوارد: جمع شاردة، من شرد البعير يشرد شرودا وشرادا فهو شارد وشرود، والجمع شرد مثل خدم وخادم. والاقتباس: من اقتبست منه نارا: أي أخذت منه قبسا، وهو شعلة من نار، وكذلك المقباس، يقال: قبست منه نارا اقتبس قبسا فاقتبس [أي] : أعطاني منه قبسا. (والموارد) : من ورد فلان ورودا: حضر. وأراد بها موارد النصوص من الكتاب والسنة.
وهذا التركيب يشتمل على أنواع من محاسن البديع:
الأول: فيه استعارة تخييلية، واستعارة ترشيحية. التخييلة في قوله:" الشوارد "، حيث شبه الحوادث بالوحش الشارد على التخييل. والترشيحية في قوله:" اقتناص "، حيث أورد صفة ملائمة للمستعار منه وهو الاقتناص على سبيل الترشيح.
الثاني: فيه جناس لاحق ين قوله: " الشوارد " و " الموارد " نحو قَوْله تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة: ١](الهمزة: الآية ١) ، وقوله:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ}[النساء: ٨٣](النساء: الآية ٨٣) ، وقوله تعلى:{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}[غافر: ٧٥](غافر: الآية ٧٥) ، كل هذا جناس لاحق.
الثالث: فيه سجع ترصيع، نحو قول الحريري: فهو يقطع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه.
م:(والاعتبار بالأمثال من صفة الرجال) ش: الاعتبار مبتدأ، وخبره: من صفة الرجال، والجملة معطوفة على ما قبلها، وهي جواب عن سؤال ينشأ من الجملة المتقدمة، تقديره أن يقال: إذا كان اقتناص الشوارد، والنوادر من الأحكام لا يكون إلا بالاقتباس من موارد النصوص يكون