ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات
ــ
[البناية]
م:(ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات) ش: هذا دليل عقلي، تقديره أن الحج يفوت بفوات العشر الأول من ذي الحجة، فلو كان الوقت باقياً إلى آخر ذي الحجة، لما فات لأن العبادة لا تفوت ما دام وقتها باقياً إلى آخر ذي الحجة فعلم أن المراد من الأشهر الثلاثة.
وهاهنا أسئلة، الأول: أن قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة: ١٩٧](البقرة: الآية ١٩٧) ، والشهر يقع على الكامل حقيقة لا على الناقص، كما في العدة؟ والجواب أن الأشهر اسم عام، ويجوز أن يراد من العام الخاص إذا دل الدليل، وقد دل نقلاً، ولهذا أريدت التثنية من الجمع في قَوْله تَعَالَى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم: ٤](التحريم: الآية ٤) ، لدلالة الدليل عليه، لأن الكل واحد، وينزل بعض الشهر منزلة كله، كما في قولهم رأيتك سنة كذا، وإنما الرؤية حصلت في بعض زمان السنة لا كلها.
السؤال الثاني: إذا كان الحج لا يصح في شوال ولا في ذي القعدة، فكيف سميت أشهر الحج؟
قلت: يجوز فيها بعض أفعال الحج، ألا ترى أن الآفاقي إذا قدم مكة في شوال وطاف القدوم وسعى بعده ينوب هذا السعي عن السعي الواجب في الحج فإنه يجب مرة واحدة في طواف الحج كلها، فإذا لقي به طواف القدوم لا يجب في طواف الزيارة ولا في طواف الصدر، ولو قدم في رمضان وفعل ذلك لم ينب عن السعي، فظهر أن محل البعض أفعال الحج، إلا أنه لا يجوز الوقوف ولا طواف الزيارة وغيرهما من الأفعال في شوال، لا باعتبار أنه ليس بوقت، بل باعتبار أنه مختص بأزمنة مخصوصة، فيجب الإتيان بها على الوجه المشروع كالركوع والسجود، فلا يجوز تقديم السجود عليه، لا باعتبار أنه أتى به في غير وقته، بل باعتبار أنه قدمه على غير الوجه المشروع.
السؤال الثالث: إذا كان موقتاً بالأشهر، كيف جاز تقديم الإحرام عليها؟
قلت: الإحرام شرط وليس من أفعال الحج، ويجوز تقديم الشرط على وقت المشروط، كتقديم الوضوء على الصلاة، وأما كراهية التقديم فلئلا يقع في المحظور بطول الزمان، لا لأنه قدم على وقت الحج.
السؤال الرابع: ما فائدة الخلاف الذي بيننا وبين مالك؟
قلت: قال في " المحيط "، وفائدة هذا الخلاف تظهر في حق أفعال الحج، فإنها لا تصلح إلا فيها وفي حق المتمتع حتى لو طاف أربعة أشواط الحج والباقي فيها لا يكون متمتعاً، وفائدة