فإن بعث القارن هديا وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار
ــ
[البناية]
أحدهما: أنه ذكر وإن بعث القارن هديا، ويجب على القارن بعث الهدي فلأنه يتحلل بالواحد؛ لأنه ذكر قبل هذا في الباب، فإن كان قارنًا بعث بدمين. والثاني: أن المصنف جمع بين روايتي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، و" الجامع الصغير "، وهذه المسألة مذكورة في هذين الكتابين في حق المحصر بالهدي بالحج، ودفع الكاكي هذا عن المصنف فقال: يمكن أن يكون، وهذا المراد من قوله: هدي، أي لكل واحد من الحج والعمرة، أو يكون أراد بالهدي الجنس كما في قول الراوي:«قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاهد ويمين» أن بجنس الشاهد عند إقامة البينة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ - في دفع هذا: لما كان كلام المصنف قبل هذا في القارن لم يرد ذلك النظر.
وقال: م: (فإن بعث القارن هديًا) ش: والهدي إلى الحرم سواء كان ذلك دمين، أو دمًا واحدا وثوبا، وكان ذكر الواجب عليه دمان، وهما هدي القارن، فكأنه قال: فإن بعث القارن دمين فلا منافاة بين هذا وبين ما تقدم، ولا هو غالط في الكلام ولا من فسخه، بل ربما لو قال: فإن بعث المحصر كما بينا في حق القارن، ولو قال: هديين كان غير فصيح؛ لأنه اسم لجنس ما يهدى، ولا شيء إلا إذا قصد الأنواع، وليس بمقصود، انتهى.
قلت: كلامه لا يخلو عن النظر؛ لأن قوله: لأنه اسم جنس، وهذا غير صحيح، وكذلك في كلام الكاكي نظر من هذا الوجه، ووجه آخر أن الأصل عدم التقدير، وقال الأترازي: قيد بالقارن في " الهداية " وليس فيه كثير فائدة؛ لأن الحكم في المفرد بالحج كذلك، ولهذا وضع القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في مطلق المحصر، ولم يقيد بالقارن فقال: وإذا بعث المحصر هديا، ولم يقيد في " الجامع الصغير " أيضًا بالقارن وضع المسألة في المحصر بالحج، على أنه كان ينبغي أن يقول صاحب " الهداية " هديين؛ لأن القارن المحصر يبعث الهديين، انتهى.
قلت: لا يصح نفيه على الإطلاق، وأما نفي الأكمل العدد؛ لأنه قال: لم يرد به هاهنا، ونحن لا نسلم من أن يكون المراد العدد؛ لأن ذكر القارن قبله وبأن عليه دمين قرينة على صحة الإرادة من قوله: هديا هديين، وقول الأكمل، ولو كان غير فصيح لا يقبل هنا؛ لأن هذا في كلام الفصحاء، وكلام الفقهاء في متون الكتب مشحونة بالتسامح، والتساهل في الكلام.
م:(وواعدهم أن يذبحوه في يوم بعينه ثم زال الإحصار) ش: هنا أربعة أوجه: القسمة العقلية؛ لأنه إما أن لا يدرك الهدي، أو يدركهما، أو يدرك الهدي دون الحج أو بالعكس، فذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جميع ذلك، فالأول هو قوله: م: (فإن كان لا يدرك الحج والهدي لا يلزمه أن يتوجه) ش: لعدم الفائدة.