وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل مثل أن يقول: زوجني فتقول: زوجتك، لأن هذا توكيل بالنكاح.
ــ
[البناية]
وإنما جعلت م:(دفعا للحاجة) ش: لأن الحاجة كانت متحققة في الجاهلية، وكانت لهم أنكحة مقدرة، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح» ، فقدرها الشارع، وإنما اختير لفظ الماضي للإنشاء؛ لأنه يقتضي سبق الوجود، فيكون أدل على الوجود فصار الوجود حقا له، والفرق بين الإنشاء والإخبار أن الإنشاء سبب لمدلوله وليس الإخبار سببا لمدلوله، ولأن الإنشاء يتبعه مدلوله، والإخبار يتبع المدلول، ولأن الإنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب، والإخبار يحتملها.
م:(وينعقد بلفظين يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل) ش: قال الإمام حميد الدين: ينظر الانعقاد بالماضي والمستقبل؛ مثل أن يقول الرجل: إني تزوجت وقالت المرأة زوجت نفسي منك، قد صح النكاح، ويكون بلفظ المستقبل تبعا للماضي، وما ورد في الكتاب مثل قوله: م: (مثل أن يقول) ش: أي الرجل م: (زوجني فتقول) ش: أي المرأة م: (زوجتك) ش: قال حميد الدين: قيل: إنه غير صحيح؛ لأن قوله: زوجني توكيل، فلا يكون معطى العقد، قال والنظير الواضح ما قلنا.
ويجاب: بأن الواحد يتولى طرفي العقد في النكاح دون البيع وهو معنى قوله: م: (لأن هذا) ش: أي قوله زوجني م: (توكيل بالنكاح) ش: والولي الواحد يتولى طرفي النكاح على ما نبينه إن شاء الله تعالى. والحاصل أن قوله زوجتك بمنزلة الإيجاب والقبول، والتوكيل بمنزلة التحصين، والواحد يتولى طرفي العقد، لكن قوله زوجتك لا يكون بمنزلة شطري العقد، إلا بقوله: زوجني؛ لأن به يصير وكيلا، فصار كأنه شطر العقد استحسانا.
والفرق بين النكاح والبيع أن الحقوق في البيع تتعلق بالوكيل، والوكيل بالنكاح ليس كذلك لأنه لا يطالب بتسليم المهر ولا غيره، وفي " شرح الأسبيجابي ": قدرة الزوج على الرد يفضي إلى الإضرار بها وإلحاق العار والشنار، بقبيلتها؛ لأنهم إذا أوجبوا العقد عند قوله: _ زوجني _ بأن قال الولي: زوجتك مثلا لو لم يتم العقد بهذا جاز للزوج أن يرجع ويلحق بالولي عار وشنار وهذا لا يجوز، لأنه يقال: زوجها ابنه فلم يقبله بخلاف البيع حيث لا عار في رده، وكذا لو قال الزوج: جئتك لتزوجني ابنتك، فقالت ابنة الرجل قد زوجتك صح النكاح ولزم، وكذا لو قال لامرأة: أتزوجك على ألف درهم، فقالت: قد تزوجتك على ذلك صح، لأن النكاح لا يحصره اليوم. وفي " خزانة الأكمل ": أتزوجك بكذا، أو أخطبك على كذا، فقالت: قد زوجتك نفسي صح، وهو استحسان، بخلاف البيع والخلع، ذكره السرخسي.