والضمير صار راجعا إلى الفعلة التي دل عليها قولنا: من فعل الوضوء.
وأما قولنا: يعني من توضأ من فعل الوضوء لأن كل فعل يفعله الشخص يأتي فيه هذا التقدير، فإذا قلت: قام زيد معناه فعل القيام، وإذا قلت: أكل معناه فعل الأكل، وعلى هذا سائر الأفعال لأن الفاء والعين واللام أعم الأفعال، ولهذا اختار الصرفيون هذه المادة في وزن الأشياء وتأنيث نعمت باعتبار أن الضمير يرجع إلى الفعلة المذكورة، والمخصوص بالمدح محذوف كما قلنا.
وأشار - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الثاني بقوله:«ومن اغتسل» بمعنى ومن فعل الغسل يوم الجمعة فهو أفضل من الوضوء، والضمير في فهو يرجع إلى الفعل الذي يتضمن من فعل وهو الغسل، وفي نفس الأمر يرجع إلى الفعل الذي يدل عليه قوله اغتسل لأن كل فعل يدل على مصدره وهو من قبيل قَوْله تَعَالَى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: ٨](المائدة: الآية ٨) أي العدل أقرب. وقد علم أن أفعل التفضيل يستعمل مجردا كما في قولنا الله أكبر أي أكبر من كل شي فإن قلت: أفعلية التفضيل تدل على الوجوب ولا تثبت المساواة، قلت: السنة بعضها أفضل من بعض فجاز أن يكون الغسل من تلك السنن، فإن قلت: ما ذكرنا يقتضي وما ذكرتم ناف فالأول راجح، قلت: قوله فبها ونعمت نص على السنة وما ذكرتم يحتمل أن يكون أمر إباحة فالعمل بما ذكرنا أولى.
م:(وبهذا) ش: أي وبهذا الحديث المذكور م: (يحمل ما رواه) ش: أي ما رواه مالك وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أتى الجمعة فليغتسل» .
م:(على الاستحباب) ش: توفيقا بين الحديثين، فإن قلت: هذا الحديث ضعيف وحديث مالك صحيح فكيف التوفيق بين الصحيح والضعيف، قلت: قد روينا هذا الحديث عن سبعة أنفس من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما ذكرنا، فحديث سمرة صحيح كما نص عليه الترمذي.
وحديث أنس المذكور إنما ضعف لأجل يزيد بن أبان الرقاشي، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه، وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله القائمين بالليل، أو ضعفه لأجل الربيع بن صبيح، قال أبو زرعة: شيخ صالح صدوق، وقال ابن عدي: له أحاديث مستقيمة صالحة ولم أر له حديثا منكرا أرجو أنه لا بأس به. وصبيح بفتح الصاد. ولئن سلمنا ذلك فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فبها اجتمعت فيها من الحكم كذا قاله البيهقي وغيره.