وفيه قال:" ما معك من القرآن "، قال: سورة كذا وكذا، عددها، فقال:" تقرأهن عن ظهر قلبك " قال: نعم، قال:" اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن» "، وهذا من جملة ما استدل به الشافعي ومن يقول بقوله. قلت: أجاب الأترازي عن هذا بقوله: هذا خبر الواحد، وقد عارض نص الكتاب، فلا يحتج به.
قلت: هذا لا نجد كما ينبغي، بل الجواب الظاهر ما قاله ابن الجوزي أن ذلك كان للضرورة والفقر في أول الإسلام، وأظهر من ذلك ما قاله أصحابنا أنه ليس فيه دلالة على أنه جعل القرآن مهرا، ولهذا لم يشترط أن يعلمها، وإنما معناه ببركة ما معك من القرآن ولأجل أنك من أهل القرآن، كتزوج على إسلامه، وهو لا يصلح صداقا للبضع. وفي " التمهيد " قال مالك: ولأبي حنيفة، وأصحابه هاهنا والليث لا يكون القرآن [ ... ] بمال، فلأن التعليم في العلم والتعلم مختلف لا يكاد ينضبط، فأشبه المجهول، والسكوت عن المهر لا يبطل النكاح، لأنه معلوم لا بد منه.
فإن قلت: الاستدلال بالآية ضعيف، لأن الأموال ذكرت بلفظ الجمع في مقابلة الجمع، وذلك يقتضي انقسام الآحاد على الآحاد فعلى هذا يكون المراد تبعا لكل واحد بماله، لا بأمواله، والمال يقع على القليل والكثير.
قلت: قال الأترازي: لا نسلم انقسام الآحاد على الآحاد، إذا ذكر الجمع بمقابلة الجمع، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن المال تبع على القليل الذي هو غاية في القلة عرفا، وهذا لأن المال ما يجري فيه البدل والإباحة، والشح، والصفة، فلا يطلق عليه اسم المال عرفا كالفلس والجوز ولا بد من التقدير ما له خطر، فتعينت العشرة بالحديث أو بالقياس. انتهى. قلت: أراد بالحديث حديث جابر المذكور، وبالقياس القياس على نصاب السرقة وقد مر الكلام فيه عن قريب.
فإن قلت: روي في حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ينكح هذه؟ " فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه، فقال: أنا يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " ألك مال؟ " قال: لا، قال: " أتقرأ شيئا من القرآن؟ " قال: نعم سورة البقرة والمفصل، قال: " انكحها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوضها» " فتزوجها الرجل على ذلك انتهى.
وقد قلت: لم يشترط أن يعلمها، وهذا قد اشترط إقراءه إياها وتعلمه كذلك. قلت: قال الدارقطني: تفرد به عتبة بن السكن وهو متروك، وقوله: - عوضها - يدل على أنه لا بد من المهر، وإنما أخره إلى وقت حصوله، وتأخيره لا يبطل النكاح.