الأول: أنه يلزم، على ما ذكره، أن تكون لفظة " بعض " في حكم المطروح، وليس كذلك. بل هو مقصود بالذكر؛ لأنه أشار به إلى أن الوعد بالتبرع ليس موجبا؛ لأنه يجوز حينا. والمصنف أشار إلى ذكر ذلك بقوله: وتحقيقه إن موعدي بعض الجائزات والممكنات، فمن الجوائز وقوع بعض الممكنات وإن لم يقع موعدي؛ لأنه بعض الممكنات لا كلها، فلأجلها شرعت في الشرح رجاء أن يكون موعدي من ذلك البعض الواقع. فإذا كان كذلك كيف يكون انتصاب " بعض المساغ " على أنه مفعول مطلق؟ بل هو منصوب على أنه مفعول به. ومع هذا يلزم على تقدير هذا أن يقرأ يسوغ بالتخفيف دون التشديد.
الوجه الثاني: أن تمثيله بالآية غير صحيح؛ لأن نباتا واقع مفعولا لقوله أنبتكم على معنى " إنباتا " وليس وقع لفظ المساغ، هاهنا، مفعولا لقوله:" يسوغ "، وإنما المفعول هاهنا لفظة " بعض " على ما ذكرنا، والمفعول هاهنا مفعول به، والذي في الآية مفعول مطلق فكيف تتحقق المماثلة بينهما؟!.
م:(وحين أكاد أتكئ عنه اتكاء الفراغ) ش: بين هذا الكلام وبين ما قبله من السجع المطرف، ولهذا قدم لفظة " عنه "؛ لأجل السجع، وإلا فحقه أن يقال: أتكئ اتكاء الفراغ عنه.
قوله:" أكاد ": من أفعال المقاربة، يقال، كاد يفعل كذا يكاد كودا ومكايدة أي قارب ولم يفعل. ول " كاد " اسم وخبر، إلا أن خبره يجب أن يكون فعلا مضارعا متأولا باسم الفاعل، نحو: كاد زيد يخرج، الأصل: كاد زيد خارجا. ويستعمل بغير " أن "، وربما يستعمل استعمال عسى في إثبات " أن " بعدها. قال الشاعر:
قد كاد من طول البلى أن يمحصا
وقد يستعمل عسى بغير " أن " كما في كاد. قال الشاعر:
عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
قوله:" أتكئ عنه ": أي عن الشرح. يقال: اتكأ عن الشيء فهو متكئ، والموضع متكأ. وقال صاحب " النهاية ": عدى الاتكاء ب " عن "، وإن كان هو يعدى ب " على "، لتضمين معنى الفراغ، كما في قَوْله تَعَالَى:{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}[البقرة: ٢٦٠](سورة البقرة: آية ٢٦٠) على تضمين معنى الإمالة، وتبعه على ذلك صاحب " الدراية ". وقال الشيخ قوام الدين: فيه نظر؛ لأنه حينئذ يكون معناه: أفرغ عنه فراغ الفراغ، وهو كما ترى فاسد من العبارة. وصح عندي أنه من باب التقديم والتأخير، أي: اتكاء الفراغ عنه أي عن الشرح وهو " الكفاية ". وتبعه على ذلك الشيخ أكمل