فإن قلت: استدل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بقضية زينب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها هاجرت من مكة إلى المدينة، وخلفت زوجها أبا العاص بمكة فردها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنكاح الأول، فعلم أن التباين لا يوجب الفرقة.
قلت: ردها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنكاح الجديد، يعني قوله: بالنكاح الأول، أي بحرمة النكاح الأول، وقد صح في " السنن " عند الترمذي، وابن ماجه، وأحمد أنها ردت بعد ست سنين في رواية، وفي رواية أخرى بعد سنتين، وعند الخصم تثبت الفرقة بانقضاء العدة، وإن لم يثبت التباين، فكيف يحتج به علينا؟
فإن قلت: استدل أيضاً بحديث أبي سفيان، فإنه أسلم بمر الظهران في معسكر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقر النكاح بينه وبين امرأته هند، ولما فتح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مكة هرب عكرمة بن أبي جهل، وحكيم بن حزام حتى أسلمت امرأة كل منهما، وأخذت الأمان لزوجها، وذهبت فجاءت به، ولم يجدد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النكاح بينهما.
قلت: الصحيح أن أبا سفيان لم يحسن إسلامه يومئذ، وإنما أجازه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لشفاعة عمه العباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وعكرمة وحكيم بن حزام إنما هربا إلى الساحل، وكانت من حدود مكة، فلم يوجد تباين الدارين. وقد قال الزهري: إن دار الإسلام تتميز من دار الحرب بعد فتح مكة، ولم يوجد تباين الدارين يومئذ.
فإن قلت: قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: ٢٤](النساء: الآية ٢٤) ، عدد المنكوحات من المحرمات، ثم استثنى المملوكات ملك اليمين مطلقاً، ولم يفصل بينهما إذا كان تزوج المسبية معها، أو لم يكن، والمطلق يجري على إطلاقه عندكم، فكيف لا تجوزون وطء المسبية إن سبي معها زوجها.
روي في "السنن" مسنداً إلى أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في سبايا أوطاس:"ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» " ولا فصل فيه أيضاً.