واختيار الكرخي والطحاوي - رحمهما الله - أنه لا يقع وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل العقل، فصار كزواله بالبنج والدواء. ولنا: أنه زال بسبب هو معصية، فجعل باقيا حكما زجرا له،
ــ
[البناية]
يقع طلاقه عندهما، وعند محمد يقع.
وفي الينابيع: لو سكر بالبنج والدواء لا يقع طلاقه بالإجماع، كالنائم بخلاف ما لو شرب رأسه حتى زال عقله، فإنه لا ينفذ تصرفاته ولا يجعل عقله باقيًا، وإن كان زوال بمعصية لنذوره ولهذا لا يشرع فيه حد. ذكره في المحيط بخلاف زواله بالخمر ونحوه أي فاعتبر عقله باقيًا، ووجب عليه الفرائض زجرًا له.
م:(واختيار الكرخي والطحاوي أنه) ش: أي طلاق السكران م: (لا يقع وهو أحد قولي الشافعي لأن صحة القصد بالعقل وهو زائل فصار كزواله بالبنج والدواء) ش:، أي كزوال العقل باستعمال البنج وشرب الدواء، فإن فيهما لا يقع الطلاق بالاتفاق. وكذا إذا أكل الأفيون أو شرب لبن الرمكة فسكر به، والبنج تعريب - بنك - قال في المغرب: وهو نبت له حب يسكر، وقيل: يثبت ورقه وقشره وبزره. وفي " القانون ": هو سم يخلط العقل ويبطل الذكر ويحدث جنونًا وخناقًا.
م:(ولنا أنه زال بسبب هو معصية فجعل) ش: أي عقله م: (باقيًا حكمًا زجرًا له) ش: أي عقوبة عليه. قيل في كلامه تسامح، لأنه جعل العقل زائلًا بالسكر وليس كذلك عندنا لأنه مخاطب ولا خطاب بلا عقل بل هو مغلوب.
وأجيب: بأن المغلوب كالمعدوم، فلذلك أطلق عليه الزوال. ويقال: ولئن سلمنا أنه زوال ولكنه حاصل بسبب هو معصية فلم يؤثر في إسقاط ما بني على التكليف، بل يجعل باقيًا زاجرًا وتنكيلًا، ألا ترى أنه ألحق بالصاحي في حق وجوب القصاص، وحد القذف حتى لو قتل أو قذف في هذه الحالة يجب القصاص وحد القذف، فلأن يلحق بالصاحي فيما لا يسقط بالشبهة أولى. واعترض بوجهين أن شرب المسكر كسفر المعصية فما بال السفر صار سببًا للتخفيف دون شرب المسكر. والثاني: أنه لما جعل العقل باقيًا في الطلاق حكمًا زاجرًا له كانت الردة والإقرار بالحدود أولى لأن الزجر والعقوبة هناك أتم.
وأجيب عن الأول: بأن الشراب نفسه معصية ليس فيه إن كان انفصال ولا جهة إباحة يصلح لإضافة التخفيف. وعن الثاني: بأن الركن في الردة الاعتقاد، والسكران غير معتقد لما يقول فلا نحكم بردته، لانعدام ركنها للتخفيف عليه بعد تقرر السبب، وأما الإقرار بالحدود فإن السكران لا يثبت على شيء مما أقر به، فيؤثر فيما يحتمل الرجوع.