للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وقال الكاكي: فإن قيل لأن الله تعالى طلب الإيمان من فرعون وأبي جهل، وأمثالهما بالأمر، ولم يوجد منهم، وطلب التقوى من جميع المؤمنين ولم يوجد من أكثرهم، قلنا: الطلب من الله تعالى على نوعين: طلب التكليف، وطلب لا تعلق له باختيار العبد، وهو المسمى بالمشيئة والإرادة والوجود من لوازمها، إذ لو لم يكن ملزم العجز، وهو منزه عنه، بخلاف العباد.

قال شيخي العلامة: هذا ما أشير إليه في عامة الكتب في بيان هذه المسألة، ولكنه مشكل، لأن ما ذكروه يشير إلى أن الإيجاد هو المغني الأصلي للمشيئة، وليس كذلك، فإن المشيئة مفسرة في أكثر كتب اللغة بالإرادة لا بالإيجاد، ومستعملة في القرآن والحديث، وفي تراكيب كلام الناس بمعنى الإرادة دون الإيحاء، قال الله تعالى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] (النساء: الآية ٤٨) {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى: ٨] (الشورى: الآية٨) ، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» وأطال الكلام. وملخصه أن القائل يقول شئت طلاقك لا يرى الإيقاع جعل الذي هو بمعنى الوجود مصدراً، وأخذ منه الفعل، لأن المشيئة مصدر شاء بمعنى أراد فهذا الطريق يحتمل أن يكون المشيء بمعنى الإيجاد، وشئت بمعنى أوجدت، فلأن الإيجاد محتمل هذا اللفظ لا يوجد، فيحتاج إلى النية، بخلاف الإرادة فإنها لا تحتمل معنى الإيجاد فلا يقع به الطلاق وإن نوى، لأن النية لم تصادف محلاً، كما في قولك هويت طلاقك وأجبت الطلاق.

وفي " المبسوط " ولو قال لها شيئي الطلاق ينوي به الطلاق، فقالت شئت فهي طالق، وإن لم يكن له نية لا تطلق.

ولو قال لها أريدي الطلاق أو أهوى الطلاق، فقالت قد فعلت، كان باطلاً وإن نوى، لأن الإرادة من العبد نوع ثمن، فلو قالت ثمنية لا يقع، وهذا لأن المشيئة في صفات المخلوقين ألزم من الإرادة والهوى لغة، ألا ترى أن المشيئة لا تذكر مضافة إلى غير العقلاء وقد تذكر الإرادة، قال الله تعالى {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: ٧٧] (الكهف: الآية ٧٧) ، وليس إلى الجدار إرادة، وفيه تأمل.

قال الأترازي: هذا الذي قالوه من الفرق بين الإرادة والمشيئة ضعيف، لأن من أهل اللغة كالجوهري وصاحب " الديوان "، وغيرهما، لم يفرقوا بينهما.

قال الجوهري في " الصحاح " في كتاب الألف المهموزة: المشيئة هي الإرادة.

وقال في باب الدال: الإرادة هي المشيئة، وكذا قال في " الديوان "، وقد صرح أصحابنا في كتب الكلام أن لا فرق عند أهل السنة بين الإرادة والمشيئة وقول شمس الأئمة أن المشيئة لا تذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>