ولما أن النساء عوان عند الأزواج، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمى النساء أسارى في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان» رواه الترمذي. والعواني يعني عانية، والذكر عانن وهو الأسير. وروى البخاري في حديث علي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ثابت ابن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإيمان، انتهى. أي لشدة بغضها إياه لقضامة وجهه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اقبل الحديقة وطلقها» .
والآية نزلت في ثابت وامرأته، وهو أول خلع في الإسلام، قاله الزمخشري، واختلفوا في امرأة ثابت بن قيس، فقيل: حبيبة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سهل، وقيل: جميلة بنت سلول، وسلول اسم أمه، وزينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول، والأول أكثر، وإنما قال: لا بأس بأن تفتدي نفسها، لأن الطلاق أبغض المباحات عند الله تعالى.
وروى الترمذي من حديث ثوبان عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«المختلعات هن المنافقات» وقال: غريب، وروى الترمذي أيضا عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» .
ثم اعلم أنه لم يخالف في جواز الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني، وزعم أن الآية التي دلت على جوازه منسوخة بآية النساء، وهي قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ}[النساء: ٢٠](النساء: الآية ٣٠) ، وليس كذلك، لأن شرط النسخ تأخير تاريخ الناسخ والاختلاف وتعذر الجمع، ولم يوجد واحد منهما. قال ابن شبرمة وأبو قلابة: لا تحل حتى ( ... ) على بطنها رجلاً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}[النساء: ١٩] إلى قوله: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[النساء: ١٩](النساء: الآية ١٩) .
وقالت الظاهرية: لا يجوز الخلع إلا بشرطين، إلا إذا كرهته المرأة، وخافت أن لا توفيه حقه فلها أن تفتدي نفسها بتراضيهما.
وقالت طائفة. لا يجوز الخلع إلا بإذن السلطان، يروى عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، والحسن البصري.