وفيه اقبل الحديقة وطلقها، فهذا يدل على أن الخلع طلاق، ولكن لا يتم بهذا الدليل، لأن المدعي أنه طلاق بائن، وليس ما يدل على أنه بائن.
وقال الكاكي: روى البخاري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. وفي رواية قال: اقبل الحديقة وخل سبيلها، فدل على أنه تطليقة بائنة، ولأنه لو كان رجعيا يردها كرها فالأمر على موضوعه بالنقض.
قلت:"لفظ وخل سبيلها" وقع في رواية أبي داود من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بلفظ "فارقها". وقال الأترازي: وأما كون الخلع بائنا فلما روى الدارقطني في كتاب " غريب الحديث " الذي صنفه عن عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قال: الخلع تطليقة بائنة، وإبراهيم قد أدرك الصحابة وزاحمهم في الفتوى، فيجوز تقليده، أو يحمل على أنه شيء رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه من قرن العدول فيحمل أمره على الصلاح صيانة عن الجزاف والكذب، انتهى.
قلت: هذا الكلام بطوله لا يرد الخصم ولا يرضى به.
فإن قلت: الخصم يقول: قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩](البقرة: الآية ٢٢٩) ، ثم قال الله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: ٢٢٩] بيانه أن الطلاق محصور بالثلاث بالإجماع، فلو كان الخلع طلاقا لكانت الطلقات أربعا، واللازم منتف فيقتضي الملزوم، ولأن النكاح عقد يحتمل الفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق وخيار البلوغ، فيجوز فسخه أيضا بالتراضي بالخلع كالبيع.
قلت: أجيب: عن الآية بأن الله تعالى ذكر الطلقة الثالثة بعوض وغير عوض، فلا يكون الطلاق أربعا، بيانه أن قَوْله تَعَالَى:{أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩] طلاق بغير عوض، وقَوْله تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: ٢٢٩] طلاق بعوض.
وقال أبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: ٢٢٩] بين حكم الطلقتين على غير وجه الخلع، ثم قال:{حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: ٢٢٩] على الطلقتين، يعني على وجه الخلع، ثم قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا}[البقرة: ٢٣٠] أي الثالثة يلزم من جعل الخلع طلاقا كون الطلاق أربعا.
قلت: فيه تأمل، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد التمام، ألا ترى أنه لا فسخ بالهلاك قبل التسليم، والملك الثابت به ضروري لا يظهر في حق الاستيفاء، والفسخ بعد الكفاءة وخيار البلوغ قبل التمام، فكان في معنى الامتناع عن الإتمام، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح