للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فافتتحته مستعينا بالله تعالى في تحرير ما أقاوله متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله

ــ

[البناية]

تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] (الحجرات: الآية ١٠) . قوله: " أن أملي عليهم " من الإملاء يقال أمليت الكتاب وأملي وأمليت لغتان جيدتان جاء بهما القرآن، وكلمة " أن " مصدرية تقديره سألني بعض إخواني إملاء المجموع الثاني عليهم، والمراد " الهداية " فكأنه بعد صرف العناية إليه لم يشرع فيه حتى سأله بعض إخوانه الإملاء عليهم، وروي أنه بقي في تصنيفه ثلاث عشرة سنة، فكأنه كان يملي عليهم في أثناء تلك المدة، وكان يصوم في تلك المدة ولا يفطر أصلا، وكان لا يطلع على صومه أحدا حتى إن خادمه كان يأتي إليه بطعام وكان يقول له ضع واذهب أنت فإذا مضى كان يطعمه أحدا من الطلبة وغيرهم، فببركة هذا الزهد صار كتابه مقبولا بين العامة والخاصة وبلغ حيث ما بلغ الإسلام.

م: (فافتتحته مستعينا بالله في تحرير ما أقاوله) ش: الفاء فيه تصلح أن تكون للسببية، ومستعينا حال من الضمير المرفوع في افتتحته قوله: " في تحرير ما أقاوله " أي في تخليص ما أقاوله وتقويمه، والمقاولة القول من الجانبين، يقال: قاول يقاول كدارس يدارس، وأشار بهذا إلى زيادة مقاساة في القول؛ لأنها من باب المفاعلة.

م: (متضرعا إليه في التيسير لما أحاوله) ش: إليه أي إلى الله تعالى، و " متضرعا " حال مثل " مستعينا " ويجوز أن تكون في الأحوال المتداخلة و " التضرع " طلب الحاجة على وجه المسكنة، يقال: ضرع الرجل ضراعة أي خضع وذلك وأضرعه غيره، وتضرع إلى الله ابتهل، قوله: لما أحاوله: من المحاولة، يقال: حاولت الشيء إذا أراد به، المحاولة طلب الشيء بحيلة ومنه الحديث: " اللهم بك أحاول "، أي بنصرك، وتوفيقك أدفع عني كيد العدو وأطلب الوثوب إليهم. وفيه من محاسن الكلام حسن الأسجاع المذكورة ومنها الازدواج بين " أقاوله " و " أحاوله " ومنها المبالغة في البيان بالتفصيل بعد الإجمال، ليكون إشارة إلى عملين فالعملان خير من عمل واحد، وذلك في قوله: " في التيسير لما أحاوله " حيث لم يقل في تيسير ما أحاوله بالإضافة فيه إشارة إلى ما ذكرنا وقصدا للمبالغة بخلاف قوله: " في تحرير ما أقاوله " حيث ذكره بالإضافة؛ لأن المبالغة حاصلة من صيغة المقاولة.

فإن قلت: فكذلك المبالغة حاصلة في صيغة المحاولة.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن المفاعلة فيه ليست على بابها كما في قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: ١٣٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>