للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وفيه وجه شاذ تحصل به. وقال القاضي خان: ولم أر للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا نصا، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة، فإن كان للتراب والرماد هذا الفعل جعل الدباغ منهما.

وأما الملح فنص الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يحصل الدباغ به، وبه قطع صاحب " الشامل "، وقطع إمام الحرمين بالحصول، وفي " الحلية " قال أبو نصر: سمعت بعض أصحابنا أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنما يطهر الإهاب بالشمس إذا علمت به عمل الدباغ، وهذا يرفع الخلاف.

وفي جواز بيع الجلد بعده له قولان أصحهما وهو الجديد أنه يجوز وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قوله القديم: لا يجوز وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

ثم إن الشافعي احتج فيما ذهب إليه بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشاة ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال: "هلا استنفعتم بإهابها" فقالوا: إنها ميتة، قال: "إنما حرم أكلها إذ ليس في الماء والقرظ ما يطهره» . رواه الدارقطني والبيهقي. وقال النووي: هذا حديث حسن، ورواه أبو داود والنسائي في " سننيهما " بمعناه عن ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «مر على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يطهره الماء والقرظ» .

ولنا ما أخرجه الدارقطني عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استمتعوا بجلود الميتة إذا هي دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان بعد أن يزيد صلاحه» ". وقال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد عن إبراهيم قال: كل شيء يمنع الجلد من الفساد فهو دباغ، وهذا يتناول المشمس والمترب.

وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الذي احتج به الشافعي لا يقتضي الاختصاص بل المراد به ما في معناه بالإجماع، والمرجع في ذلك إلى أهل الصنعة، نص عليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا.

فإن قيل: في رواية حديث عائشة الذي احتج به معروف بن حسان، قال أبو حاتم: هو مجهول، وقال ابن عدي: منكر الحديث، قلت: الذي ورد في الصحيح من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" قالوا: إنها ميتة قال: "إنما حرم أكلها» . وقوله: فدبغتموه أعلم من أن يكون الدباغ حقيقيا أو حكميا فبعموم هذا يخص حديث عائشة المذكور، ثم عندنا يجوز بيع الجلد المدبوغ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «هلا أخذتم جلدها فدبغتموه وانتفعتم به» ، البيع من وجوه الانتفاع فجاز بيعه كالذكاة وهو قول جمهور العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>