قلت: نعم إنها للجميع لكنه ذكر الثالثة بعد وقوع الطلاق على أحد الأوليين غير عين فاقتضت الجمع بين طلاق الثالثة وبين طلاق إحدى الأوليين، فصارت الثالثة مرادة بإيجاب الطلاق.
وكذا العبد الثالث، فكأنه قال: إحداكما طالق. وقال الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي " إذا قال: أنت طالق وفلانة فالأولى طالق، والخيار في الأخريين.
فإن قلت: العطف كما يصح على من وقع عليه الحكم يصح أيضًا على من لم يقع عليه الحكم، والأصل عدم الحكم، فيعطف على من يقع عليه الحكم، كما في قوله والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا، فإنه إن كلم الأول حنث، وإن كلم أحد الآخرين لم يحنث حتى كلمهما، ويكون الثالث معطوفًا على الثاني الذي لم يقع عليه الحكم منفردًا. وهذا لأن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع، فصار كأنه قال: هذه طالق أو هاتان، فحينئذ كان هو مخيرًا في الطلاق والعتاق إن شاء أوقع على الأولى، وإن شاء أوقع على الأخريين.
قلت: أجيب بأن هذا الذي ذكرته هو رواية ابن سماعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فأما الذي ذكره في الكتب فهو ظاهر الرواية والعرف بين ظاهر الرواية في الطلاق والعتاق، وبين قوله: والله لا أكلم فلانًا أو فلانًا وفلانًا في أن الثالث معطوف على الثاني الذي لم يقع عليه الحكم، وهو مسألة الجامع هو أن كلمة " أو " إذا دخلت بين شيئين يتناول أحدهما، فإذا عطف الثالث على إحداهما صار كأنه قال أحدكما طالق وهذه، ولو عطف على هذا كان الحكم ما قلنا.
أما في مسائل الجامع فالموضع موضع الشيء لا يعم، كما في قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان: ٢٤](الإنسان: الآية ٢٤) .، فصار كأنه قال والله لا أكلم فلانًا ولا فلانًا، فلما ذكر الثالث بحرف الواو صار كأنه قال ولا هذين. ولو قضى على هذا كان الحكم هكذا فكذا هذا.