طهارة لها إشارة بهذا إلى أن البئر تطهر بمجرد النزح من غير توقف على غسل الحيطان ونقل الأوحال، وقد علمت أن هذا الكلام مستقل بذاته بهذا المعنى من غير اشتراك بما قبله في المعنى.
م:(بإجماع السلف) ش: أراد بهم الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولم أر أحدا من الشراح مع كثرتهم ودعوى بعضهم التحقيق في هذا الكتاب تعرض إلى متعلق الباء في قوله: بإجماع السلف، وهي متعلقة بقوله:(طهارة لها) ، أي للبئر، والمعنى أن طهارة البئر التي وقعت فيها النجاسة نزح ما فيها ثبت بإجماع السلف.
فإن قلت: كيف إجماع السلف في هذا؟
قلت: الإجماع من الصحابة في هذا هو أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أمر بنزح جميع ماء بئر زمزم حين وقع فيه زنجي، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم ينكر عبد الله بن الزبير ولا أحد من الصحابة في ذلك الزمان على ابن عباس، فوقع الإجماع منهم على طهارة البئر بالنزح، وكذلك روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في هذا الباب على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وأما الإجماع من التابعين فقد روي في هذا الباب عن الشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء والزهري والحسن البصرى وغيرهم، ولم ينقل عن أحد منهم خلافه فصار إجماعا، وسأذكر ذلك مفصلا عن قريب إن شاء الله تعالى.
وسقط قول السروجي في شرحه وقوله: بإجماع السلف وفيه نظر، وبعض من لا خبرة له من أصحاب الشافعي طعن في هذا الموضع، وقال: ما أكيس دلو أبي حنيفة حيث ميز الماء النجس من الطاهر، وهذا في الحقيقة تشنيع على الصحابة والتابعين حيث أجمعوا على طهارة البئر بالنزح فيقال لهم: ما أكيس قرعته حيث ميزت بين الحر والرقيق، وكذلك في تعارض البنيان تميز الحق من الباطل بالقرعة، وقرعتهم هذه أكيس من دلونا.
وفي " المبسوط " هم قالوا بالرأي ما هو أشد من هذا، فقالوا في بئر فيها قلتان، أي ماتت فيه فأرة فنزحت منها دلو، فإن حصلت الفأرة في الدلو فالماء الذي في الدلو نجس، والذي يبقى في البئر طاهر، وإن بقيت الفأرة في البئر فالدلو طاهر وما بقي في البئر نجس، ودلوهم هذا أكيس من دلونا. وقال الأترازي: فيا للدلو أيدته الشافعية كيف طهرت ظاهرها من مرة دون باطنها وعكست أخرى، وكيف طهرت البئر تارة ونجستها أخرى، وكيف وردت الجواب بقياسها على المشنعين علينا؟!