للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخر الإقامة إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات في أربعة مجالس فلو ظهر دونها لما أخرها لثبوت الوجوب. ولأن الشهادة فيه اختصت بزيادة العدد. فكذا الإقرار إعظاما لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر.

ــ

[البناية]

دعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أبك جنون؟، قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذهبوا به فارجموه، فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه» .

وروى حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا مسلم عن جابر بن سمرة ورواه أيضا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا في الكل الإقرار بأربع مرات.

م: (فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخر الإقامة) ش: أي إقامة الحد: (إلى أن تم الإقرار منه) ش: أي من ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أربع مرات في أربعة مجالس فلو ظهر دونها) ش: أي فلو ظهر إقراره موجبا للحد دون الأربع، أي أربع مرات. م: (لما أخرها) ش: أي لما أخر إقامة الحد. م: (لثبوت الوجوب) ش: حاصل المعنى: لو كان الإقرار مرة واحدة كان لم يؤخر، لأن إقامة الحد عند [تلك] الصورة واجب، وتأخير الواجب لا يظن برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فإن قال قائل: إذا لم يثبت الحد بإقراره مرة واحدة، فقد اعترف بالوطء لا يوجب الحد، ويوجب المهر وإذا وجب المهر، لا يجب الحد مما بعد، لأن المهر والحد لا يجتمعان في وطء واحد.

أجيب: بأن الإقرار أربع مرات، ولما اعتبر حجة لإثبات الزنا لم يتعلق بوجوب المهر بالإقرار مرة واحدة فقد اعترف بوطء لا يوجب، وإنما الحكم موقوف بأن تمت الحجة، ووجب الحد، وإن لم يتم، وجب المهر.

فإن قيل: إنما أعرض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه اتهمه أي في عقله، فقد جاء أشعث أغبر مغير اللون، إلا أنه لما أصر على الإقرار [....] قبله، بعد ذلك، ثم لزوال الشبهة بالسؤال.

فقال: أبك جنون؟، أما تغير الحال بدليل التوبة والخوف من الله عز وجل، لا دليل الجنون وإنما قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبك جنون؟، تلقينا لما يدرأ بالحد، كما يقال، لعلك وطئتها لترجع عن الزنا إلى الوطء بشبهة فيسقط الحد عنه، وكما قال للسارق أسرقت، ما أخاله سرق، ولأن الشهادة فيه دليل معقول، فظن جواب عن اعتبار الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بسائر الحقوق وتقريره.

م: (ولأن الشهادة فيه) ش: أي في الزنا. م: (اختصت بزيادة العدد) ش: لأجل التغليظ ولم يختص سائر الحقوق بذلك. م: (فكذا الإقرار) ش: اشترط أربع مرات، لأن إحدى الحجتين لما اختصت بزيادة ليست في سائر الحقوق، فكذلك في الحجة الأخرى. م: (إعظاما لأمر الزنا وتحقيقا لمعنى الستر) ش: أي لأجل تعظيم أمر الزنا وتحقيق معنى الستر، لأن الستر مندوب منه كما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>