أن الأصوليين استدلوا على تخصيص الكتاب بالسنة، فإنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رجم ماعزا ولم يجلده، لأن آية الجلد شاملة للتحصين وغيره، وهو قول مالك والشافعي والزهري والأوزاعي والنخعي والثوري وأبي ثور وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وعن أحمد في رواية وداود ويجلد مائة ويرجم، واختار ابن المنذر من أصحاب الشافعي ما روى مسلم عن عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خذوا «عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» .
وروى أحمد ثم البيهقي من رواية الشعبي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أجيب عن حديث عبادة بأنه منسوخ، لأن أول آية نزلت في هذا الباب قَوْله تَعَالَى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}[النساء: ١٥] إلى قوله {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}[النساء: ١٥](النساء: الآية ١٥) ثم نسخ بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا» ... الحديث، ولم يكن بين الحديث وبين الآية، حكم آخر.
ثم حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يكون متأخرا عن حديث عبادة لا محالة الحكم المتأخر ينسخ المتقدم، لا محالة إذا كان بين الحكمين مخالفة.
فإن قلت: كيف يصح دعوى النسخ وحديث علي يرد هذا.
قلت: قد ثبت إجماع الصحابة قبل ذلك بخلافه في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإجماعهم أولى من تفرده بحكم بعد الإجماع المصون، وذلك عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته رجم ولم يجلد بحضرة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يخالفه أحد، فحل محل الإجماع.
وجواب آخر يحتمل أن يكون علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جلدها، لأنه لم يثبت عنده إحصانا ثم لما ثبت إحصانها رجمها وقال: جلدتها بكتاب الله تعالى، وهو قوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}[النور: ٢](النور: الآية ٢) ورجمتها بالسنة حتى ثبت الإحصان، وقال الخارجي في " كتابه ": وروى حديث ماعز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جماعة كسهل بن سعيد وابن عباس، ويعرف آخر