الأول ومن بعدهم أجمعوا على اقتناء الحمامات في المساجد حتى المسجد الحرام، فدل هذا الإجماع على طهارة خرء الحمام، وفي قوله: - على اقتناء الحمامات - نظر؛ لأن الاقتناء والاتخاذ من قولهم قنوت الغنم وغيرها قنوة، وقنيتها قنية أيضا إذا اقتنيتها لا للتجارة واقتناء المال وغيره اتخاذه، ولم ينقل عن أحد من الصدر الأول أو ممن بعدهم بأنه اتخذ حماما في مسجد من مساجد الله أو في مسجد الكعبة، غاية ما في الباب أنها كانت تأوي إلى المساجد، ولم يكن أحد منهم يمنعه ويسكت عند، فحينئذ يكون هذا نوعا من أنواع الإجماع السكوتي.
فإن قلت: ما كان سبب سكوتهم عن هذا حتى جعل إجماعا منهم؟
قلت: حديث أخرجه الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده " والبيهقي في " دلائل النبوة " من حديث عون بن عمرو القيسي قال: سمعت أبا مصعب المكي قال: أدركت أنس بن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «أمر الله تعالى شجرة ليلة الغار فنبتت في وجهي، وأمر الله العنكبوت فنسجت فسترني الله وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان من قريش بعصيهم وهراواتهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر أربعين ذراعا، فجعل بعضهم ينظر في الغاز فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا: مالك لم تنظر في الغار، قال: رأيت بفمه حمامتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال فعرف أن الله قد درأ عنه بهما، فدعا لهما وشمت عليهن وأقررن في الحرم، وفرض خروجهن» وقال البزار لا نعلم روايته إلا عون بن عمر وهو بصري مشهور وضعفه العقيلي، ويقال عون بن عمرو. قوله: شمت بالشين المعجمة وتشديد الميم يقال: شمت فلانا وشمت عليه، إذا دعا له بالخير والبركة في حديث زواج فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأتاهما فدعا لهما وشمت عليهما ثم خرج.
فإن قلت: لا ينعقد الإجماع إلا بدليل يوجب العلم قطعا ولا ينعقد بخبر الواحد والقياس.
قلت: هذا من مذهب الشيعة والقاشاني من المعتزلة وابن جريج، ومذهب أهل السنة والجماعة الحكم بالإجماع بطريق القطع، وكون الإجماع حجة قطعية لم يثبت من دليل، فنسبه الداعي إليه بل إنما ثبت من قبل ذا إن الإجماع رفعه وكرامة لهذه الأمة خاصة وأشد أمة لحجة الله