والمقصود من شرع الزاجر: إخلاء العالم عن الفساد، وهذه آية حق الشرع، وبكل ذلك تشهد الأحكام. وإذا تعارضت الجهتان فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغناء الشرع، ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع؛ لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه، فيصير حق العبد مرعيا به، ولا كذلك عكسه؛ لأن لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة عنه، وهذا هو الأصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها، منها
ــ
[البناية]
م:(والمقصود) ش: أي القصد م: (من شرع الزاجر إخلاء العالم عن الفساد) ش: إذ لولا الزواجر لفسدت أحوال الناس م: (وهذه آية حق الشرع) ش: أي وهذا المذكور علامة حق الشرع م: (وبكل ذلك) ش: أي وبكل ما ذكر من حق الشرع وحق العبد م: (تشهد الأحكام) ش: أما الأحكام التي تشهد على أن حد القذف حق العبد، فاشتراط الدعوى في عدم بطلانه بالتقادم.
وإنه يجب على المستأمن ولا يعمل فيه الرجوع عن الإقرار ويقيمها القاضي بعلم نفسه، ولا يخلف القاذف، وأما الأحكام التي تشهد على أنه حق الله تعالى أن الإقامة للإمام والتنصيف بالرق وأنه لا ينقلب ما لا عنده سقوط. م:(وإذا تعارضت الجهتان) ش: أي جهة حق الشرع، وجهة حق العبد م:(فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد) ش: قال ابن دريد: يقال غالب الرجل على فلان إذا حكم له بالغلب م: (تقديما لحق العبد) ش: أي لأجل تقديم حق العبد م: (باعتبار حاجته) ش: حرم: (وغناء الشرع) ش: مرعيا به حق العبد أولى بدفع حاجته وبه قال مالك وأحمد م: (ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع لله تعالى؛ لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه) ش: يعني لو صرنا إلى تغليب حق الشرع يكون بعضهم حق لله تعالى مع كون حق العبد مرعيا؛ لأن مولى العبد له أن يستوفي ما للعبد على الناس دون العكس. وإنما يرجح حق العبد في مواضع يلزم من اعتبار حق الله تعالى إهدار حق العبد لانتهاء وفاء لحق الله تعالى؛ لأن الله غني والعبد محتاج، وهاهنا إن ترك الرعاية في حق الوارث من وجه لكن فيه رعاية حق القاذف من حيث السقوط بموت المقذوف، فإذا ثبت هذا الأصل، فنقول إنه لا يورث؛ لأن الإرث لا يجري فيما هو من حقوق الله تعالى؛ لأنه من خلافه الوارث المورث بعد موته، والله تعالى يتعالى عن ذلك.
فإن قلت: حق الله تعالى أيضا لا يسقط بموت المقذوف. قلت: نحن لا نقول بالسقوط، ولكن تعذر استيفائه لانعدام شرطه، فالشرط خصومة المقذوف، ولا يتحقق فيه الخصومة بعد الموت.
م:(فيصير حق العبد مرعيا به) ش: أي بحق الشرع كما قررناه الآن م: (ولا كذلك عكسه) ش: وهو أن يكون ما للمولى من الحق يتولاه عبده م: (لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة) ش: ولا نيابة هاهنا.
م:(وهذا) ش: أي كون حق العبد غالبا عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حق الله تعالى عندنا م:(هو الأصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها منها) ش: أي من الفروع المختلف