للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وإن ماتت فيها شاة أو آدمي أو كلب نزح جميع ما فيها من الماء؛

ــ

[البناية]

وأما الذي يكون من باب الفرق بين القليل والكثير فيما يحتاج إليه فللرأي فيه مدخل، ولما عرف في آثار الصحابة حكم طهارة البئر في الفصول كلها مع اختلاف الأقوال عنهم وعن غيرهم من التابعين في القليل والكثير من النزح، صار ذلك من باب الفرق، فدخل فيه الرأي لاختيار عدد دون عدد سبب صفة القضية ألا ترى أن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حكم في البئر المعين بمائتي دلو إلى ثلاثمائة، بناء على كثرة الماء في آبار بغداد، فهذا رأي ولكنه عن دليل، وذلك لأن الشرع لما أمرنا بإخراج جميع ما فيها صار الواجب نزح ذلك الماء الذي وقعت فيه النجاسة، وغالب مياه الآبار لا تزيد على مائتي دلو فبنزح ذلك المقدار يحصل المطلوب، وأما قوله: إلى ثلاثمائة فللاحتياط في باب الطهر.

م: (وإن ماتت فيها شاة أو آدمي أو كلب نزح جميع ما فيها من الماء) ش: أي هذا حكمها في الموت، فإن أخرجت بالحياة، فإن كان نجس العين كالخنزير ينجس الماء، فإنه كالدم والبول.

واختلفوا في الكلب بناء على نجاسة عينه وعدمها، والأصح أنه لا ينجسه إذا لم يصل فيه إلى الماء. وفي " الذخيرة " لو خرج الكلب من البئر حيا نجسها عندهما. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس به، وإن كان آدميا وخرج حيا ولم يكن ببدنه نجاسة حقيقية أو حكمية لا ينزح في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينزح عشرون دلوا وإن كان كافرا ينزح ماؤها، يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بدنه لا يخلو عن نجاسة حقيقية أو حكمية، حتى لو اغتسل ثم وقع في الماء فخرج من ساعته لا ينزح.

وأما سائر الحيوانات فإن علم أن ببدنه نجاسة نجس الماء، وإن لم يعلم قيام النجاسة بمخرجه أو غيره من بدنه اختلف المشايخ فيه، وقيل: العبرة لإباحة الأكل وحرمته إن كان مأكول اللحم لا ينزح شيء لطهارته، وإن لم يكن مأكولا لا ينجس، وقيل: العبرة بسؤره إن كان نجسا نجس الماء، وإن كان مكروها يستحب أن ينزح عشر دلاء، ولو كان مشكوكا فيه ينزح كله والماء مشكوك فيه.

وفي " التحفة ": الصحيح أنه لا يصير مشكوكا فيه، وكذا في " المحيط "، و" المفيد "، وعن أبي الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "خزانته" ينزح ماء البئر كله في البغل، والحمار، والكلب، والخنزير، والفهد، والنمر، والأسد، والذئب وكل ذي ناب من السباع وإن أخرج حيا. وفي " المحيط ": في الحيوان الذي لا يؤكل لحمه كسباع الطير والوحش الصحيح أنه لا ينجس الماء. وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - في الإبل والبقر ينجسان الماء لبقاء النجاسة في أفخاذهما، غير أن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح عشرون، وفي الشاة: عشر لأن نجاسة بولها حقيقية. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينزح كلها لاستواء الخفيفة والغليظة في الماء. وقيل: لا ينزح شيء ذكره في " الينابيع ".

<<  <  ج: ص:  >  >>