فالقطع حق الشرع، وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه، والضمان حق العبد وسببه أخذ المال. فصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، أو شرب خمرا مملوكا لذمي، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» .
ــ
[البناية]
اختلاف السببين بقوله م:(فالقطع حق الشرع، وسببه ترك الانتهاء عما نهى عنه، والضمان حق العبد، وسببه أخذ المال) ش: لا خلاف لأهل العلم أن المال إذا كان قائماً يرد على مالكه، وكذا لو باعه السارق أو وهبه يأخذه من المشتري والموهوب له، ويبطل البيع والهبة.
واختلفوا في الثالثة، فقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: يجب على السارق رد قيمتهما، أو مثلياً إن كان مثلياً، وهو قول إبراهيم النخعي، وحماد، والحسن البصري، وإسحاق، والليث بن سعد. وقال علماؤنا والثوري: لا يجتمع الضمان مع القطع، فلو ضمنه المالك قبل القطع سقط القطع، وإن قطعه سقط الضمان، وهو قول عطاء، ومحمد بن سيرين، وابن شبرمة، وعامر الشعبي، ومكحول. وقال مالك إن كان السارق معسراً فلا ضمان عليه، وإن كان موسراً يضمن لنظر الجانبين.
م:(فصار) ش: أي حكم هذا على الوجه المذكور م: (كاستهلاك صيد مملوك في الحرم) ش: يعني من حيث إنه يجب قيمته للمالك، وقيمة أخرى لجزاء ارتكاب المحظور لله تعالى م:(أو شرب خمراً مملوكاً لذمي) ش: يعني على أصلكم، فإن ضمان الخمر بالاستهلاك لا يجب عند الشافعي وإن كان لذمي، وعندنا يجب قيمته ويحد.
م:(ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م:«لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» ش: هذا الحدث غريب بهذا اللفظ، ومعناه ما أخرجه النسائي في سننه، عن حسان بن عبد الله، عن المفضل بن فضالة، عن يونس بن يزيد، عن سعيد بن إبراهيم، عن المسعود بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» ، انتهى.
قال النسائي: هذا مرسل وليس بثابت. وأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ:«لا غرم على السارق بعد قطع يمينه» ، وقال المسور بن إبراهيم: لم يدرك عبد الرحمن بن عوف، فإن صح إسناده فهو مرسل، وسعيد بن إبراهيم مجهول. ورواه البزار في مسنده بلفظ:«لا يضمن السارق سرقة بعد إقامة الحد» . قال المسور بن إبراهيم: لم يلق عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ورواه الطبراني في " الأوسط ". وقال لا يروى عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد، وهو غير متصل؛ لأن المسور لم يسمع من جده عبد الرحمن بن عوف. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل " سألت أبي عن هذا الحديث، فقال هذا حديث منكر، ومسور لم يلحق عبد الرحمن، وقد طول الأكمل