للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح،

ــ

[البناية]

المدينة وذهبوا والعضباء وأسروا امرأة الراعي فانفلتت ذات ليلة فأتت بالعضباء فقعدت في عجزها ونذرت إن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة ذكروا ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " بئس ما جزتها، لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " وأخذ ناقته» وعلم بهذا أن الكفار لا يملكون أموال المسلمين، فلو كانوا يملكون لملكت المرأة العضباء بالأخذ منهم.

قلت: ما كانوا أحرزوها بدارهم وأخذ المرأة العضباء كان قبله في الطريق. وقيل: الإحراز لا يثبت الملك. ودليلنا من القرآن قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] .... (الحشر: الآية ٨) ، فإنه تعالى سماهم فقراء، والفقير من لا ملك له، فلو لم يملك الكفار أموالهم لما سموا فقراء.

ودليلنا من المعقول هو قوله م: (ولنا أن الاستيلاء) ش: أي استيلاء الكفار م: (ورد على مال مباح) ش: لأن الاستيلاء عبارة عن الاقتدار على محل مطلقاً على وجه يتمكن من الانتفاع في الحال ومن الادخار في المآل، والاقتدار بهذه الصفة لا يكون إلا بعد الإحراز ثم بعد إحرازهم ارتفعت العصمة فورد الاستيلاء حينئذ على مال مباح لا على مال محظور، فصار كالاستيلاء على الصيد والحطب، ولهذا لا يملكون رقابنا.

فإن قيل: قال الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١] (النساء: الآية ١٤١) ، فكيف يملكون أموالنا بالاستيلاء والتمليك بالقهر من أقوى جهات السبيل؟.

قلنا: النص يتناول المؤمنين وهم لا يملكونهم بالاستيلاء، بل يملكون مالاً مباحاً كما ذكرنا.

فإن قلت: يرد عليكم الاسترداد بالملك القديم من الغازي الذي وقع في قسمته، أو من الذي اشتراه من أهل دار الحرب بدون رضى الغازي.

قلت: أجيب بأن بقاء حق الاسترداد بحق المالك القديم، لا يدل على قيام الملك للمالك القديم، ألا ترى أن للواهب الرجوع في الهبة والإعادة إلى قديم ملكه بدون رضى الموهوب له مع زوال ملك الواهب في الحال، وكذا الشفيع يأخذ الدار من المشتري بحق الشفعة بدون رضى المشتري مع ثبوت الملك له.

قلت: القياس على الهبة فيه نظر على ما لا يخفى.

فإن قلت: لا نسلم أن المال مباح بأصل الخلقة.

قلت: إنه مباح به لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] (البقرة: الآية ٢٩) ، واللام للاختصاص، فيقتضي الاختصاص لجهة الانتفاع مطلقاً دون اختصاص الواحد بشيء من

<<  <  ج: ص:  >  >>