للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون، فانتحى لي نفر منهم.

قلت: هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وابن عمه وختنه وأول من آمن به، قالوا: ثلاث، قلت: ما هي، قالوا: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: ٥٧] .

قلت: هذه واحدة. قالوا: وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كانوا كفاراً فقد حلت لنا نساؤهم وأموالهم، وإن كانوا مؤمنين فقد حرمت علينا دماؤهم، قلت: هذه أخرى، قالوا: وأما الثالثة فإنه محا نفسه من إمرة المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

قلت: هل عندكم شيء غير هذا، قالوا: حسبنا هذا، قلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله عز وجل وحدثتكم من سنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يرد قولكم هذا أترجعون. قالوا: اللهم نعم.

قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله - عز وجل - فأنا أقرأ عليكم أن الله تعالى حكم الرجال في أرنب ثمنه ربع درهم، قال الله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] إلى قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] . وقال في المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: ٣٥] أنشدكم أتعلمون حكم الرجال في حق دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أفضل، أو في حكم أرنب ثمنه ربع درهم وفي بضع امرأة؟ قالوا: بلى هذا أفضل، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم.

قلت: وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم، لئن فعلتم لقد كفرتم، وإن قلتم: ليست أمنا فقد كفرتم، قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] فأنتم بين ضلالتين فأتوا منها بمخرج، أخرجت من هذه الأخرى، قالوا: اللهم نعم.

قلت: وأما قولكم إنه محا نفسه من إمرة المؤمنين «فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا قريشاً يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتاباً، فقال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله.

فقال: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، يا علي اكتب محمد بن عبد الله،» فرسول الله خير من علي، وقد محا نفسه، ولم يكن محوه ذلك محواً من النبوة، أخرجت من هذه الأخرى، فقالوا: اللهم نعم، فرجع منهم ألفان، وبقي سائرهم فقاتلوا على ضلالتهم، فقتلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>