فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: توضأ به حين لم يجد الماء. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتيمم ولا يتوضأ به، وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عملا بآية التيمم لأنها أقوى، أو هو منسوخ بها لأنها مدنية، وليلة الجن كانت مكية.
ــ
[البناية]
فإن قلت: هذه الطرق كلها مخالفة لما في " صحيح مسلم " أنه لم يكن معه كما ذكرناه عن قريب.
قلت: التوفيق بينها أنه لم يكن معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين المخاطبة وإنما كان بعيدا عنه، وقد قال بعضهم إن ليلة الجن كانت مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم ولم يكن مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم.
ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أول سورة الجن من حديث ابن جريح قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فمن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فهم من نصيبين.
قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وروي كونه يعني ابن مسعود مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خبر أجمع العلماء على العمل به وهو أنه طلب منه ثلاثة أحجار فأتاه بحجرين وروثة، الحديث، وقال ابن العربي صحته في البعض استوقفه وبعد عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم عاد إليه فصح أنه لم يكن معه عند الجن لا نفس الخروج، وروى ابن شاهين بسنده عن ابن مسعود أنه قال: كنت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة الجن، والإثبات مقدم على النفي.
م:(فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - توضأ به) ش: أي بنبيذ التمر م: (حين لم يجد الماء) ش: أي الماء المطلق.
م:(وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتيمم ولا يتوضأ به) ش: أي بالنبيذ م: (وهو) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:(رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقد ذكرنا أنه روي عنه ثلاث روايات م: (وبه) ش: أي وبقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:(قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ومالك وأحمد والطحاوي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م:(عملا بآية التيمم) ش: أي عمل أبو يوسف عملا بآية التيمم فإنها تنقل التطهير من الماء ونبيذ التمر من وجه فيرد الحديث بها م: (لأنها أقوى) ش: أي لأنها أقوى من هذا الحديث م: (أو هو منسوخ بها) ش: أي أو هو هذا الحديث منسوخ بآية التيمم م: (لأنها مدنية) ش: لأن آية التيمم نزلت بالمدينة م: (وليلة الجن كانت مكية) ش: يعني قضية ليلة الجن التي ورد فيها الحديث المذكور كانت وقعت بمكة.
فإن قلت: نسخ السنة بالكتاب لا يجوز عند الشافعي فكيف يستقيم قوله: أو هو منسوخ بآية التيمم قلت: على هذا رواية رويت عنه أنه يجوز ذلك.