قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال:"ائتني بهما" فأتاه بهما فأخذهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده وقال:"من يشتري هذين؟ " فقال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال:"من يزيد على درهم؟ " مرتين أو ثلاثا، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر فأسا فائتني به". فأتاه به فشد فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عودا بيده ثم قال: "اذهب واحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» وأخرجه الترمذي مختصرا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع حلسا وقدحا فيمن يزيد» وكذلك أخرجه النسائي مختصرا.
فإن قلت: كيف يقول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد صح، وضعفه العقيلي في كتابه والأخضر بن عجلان ذكره الأزدي في الضعفاء وأبو بكر الحنفي، قال ابن القطان: فيه مجهول لا أعرف أحدا نقل عدالته.
قلت: هذا الحديث لما رواه الترمذي حسنه، وعند البعض: الحسن من الصحيح والأخضر ابن عجلان وثقه البخاري، وأبو بكر الحنفي روى عنه جماعة وحسن الترمذي حديثه، ولولا أنه ثقة عنده لما حسن حديثه.
فإن قلت: كيف باع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحلس والقدح بغير إذن صاحبهما؟
قلت: قيل: يجوز للحاكم أن يبيع على المعسر.
فإن قلت: قال الترمذي: لم ينقل أنه كان معسرا.
قلت: كانت نفقة أهله واجبة عليه فهي كالدين، قلت: لا يحتاج إلى هذه التكلفات، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجوز له التصرف في أموال أمته بما شاء فيتصرف على وجه المصلحة.
فإن قلت: قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، لم يروا بما شاء ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث [بأسا] .
قلت: قال ابن العربي: والباب واحد والمعنى مشترك لا يختص به غنيمة ولا ميراث والحلس بكسر الحاء المهملة كساء يطرح على ظهر البعير أو الحمار، والجمع أحلاس وحلوس كذا في الجمهرة، ويقال: فلان حلس بيته إذا لم ينزح منه.