قلت: هذه لجهالة وقت الموت لا في وقوعه فلا يقدح ذلك، واعلم أن هاهنا إرادة الفعل بالفعل؛ لأن معنى قوله:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}[المائدة: ٦] إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[النحل: ٩٨](النحل: الآية ٩٨) التقدير: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، قال الزمخشري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل. قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له، وهي قصده إليه وخلوص داعيته فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الطيران والإبصار، وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة فأقيم المسبب مقام السبب للملاءمة بينهما ولإيجاز الكلام.
فإن قلت: ما الحكمة في إضمار الحذف؟
قلت: كراهية أن يفتتح آية الطهارة بذكر الحدث، كما في قَوْله تَعَالَى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢](سورة البقرة: الآية ٢) حيث لم يقل هدى للضالين الصائرين للتقوى بعد الضلال كراهية أن يفتح أول الزهراوين بذكر الضلالة.
١ -
قوله:{إِلَى الصَّلَاةِ}[المائدة: ٦] الصلاة على وزن فعلة من صلى كالزكاة من زكى واشتقاقها من الصلى، وهو العظم الذي عليه الإليتان؛ لأن المصلي يحرك صلويه في الركوع والسجود، وقيل للتاله من خيل السباق المصلي لأن رأسه يلي صلو التالي، ويقال للصلاة الدعاء ومنه قول الأعشى في وصف الخمر:
وقابلها الريح في دنها ... وصلي على دنها وارسم
أي: دعا لها بالسلامة والبركة.
وأما في الشرع: فهي عبارة عن الأفعال المعهودة والأركان المعلومة.
فإن قلت: كيف يكون المعنى في الوجهين؟
قلت: على الوجه الأول: تكون لفظة الصلاة من الأسماء المعتبرة شرعا، وعلى الوجه الثاني: تكون من الأسماء المنقولة شرعا لوجود المعنى اللغوي مع زيادتها شرعا، وفي الفعل المعنى اللغوي مراعى، وفي التغيير يكون باقيا، ولكنه زيد عليها شيء آخر وكلمة " إلى " تأتي لثمانية معان: