للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

عن ابن عباس قال: الصعيد الطيب حرث الأرض، ورواه من جهة جرير عن قابوس عن أبيه، عن ابن عباس قال: أطيب الصعيد حرث الأرض، وسئل عنه أي الصعيد أطيب؟ قال: الحرث؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: ٥٨] (الأعراف: الآية ٥٨) . قلت: الاستدلال للشافعي في هذا غير موجه؛ لأنه غير قائل باشتراط الإنبات في التراب الذي يجوز به التيمم، وقال في التيمم: الإنبات ليس بشرط في الأصح.

فإن قلت: قوله في الأصح يدل على أن الإنبات شرط في غير الأصح، ويكون الاستدلال بما روي عن ابن عباس موجهاً، قيل: يخدش ذلك كون الاستدلال لأبي يوسف والشافعي، ولم يرو عن أبي يوسف كما هو شرط عند الشافعي، قال: كذا ذكره في التأويلات.

وذكر صاحب " الدراية " الاستدلال الصحيح لهما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» . رواه البخاري ومسلم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التراب طهور المسلم» .

قلت: هذا الذي ذكره في الحقيقة استدلال لأبي حنيفة ومحمد على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض؛ لأن اللام فيها للجنس، فلا يخرج شيء منها، ولأن الأرض كلها جعلت مسجداً، وما جعل مسجداً هو الذي جعل طهورا، وعورض بالرواية الأخرى، وهي «وجعلت تربتها لنا طهوراً» .

وأجيب بأن الأصل قد انفرد أبو مالك بها، وجميع طرقه «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ، ولا اعتداد بمن خالف الناس، ويمنع كون التربة يراد بها التراب، بل كل مكان تراباً ما يكون فيه من التراب أو الرمل أو غير ذلك من جنس تلك الأرض بما يقابل التربة، وبأنه مفهوم اللقب، وهو ضعيف عند جميع الأصوليين، قالوا: لم يقل به إلا الدقاق، وهو يدل بمنطوقه على جميع أجزاء الأرض، وطهوراً عطف على قوله مسجداً، ومعناه: وجعلت لي الأرض طهوراً، وهو أقوى من مفهوم اللقب.

وقال ابن القطان في شرح البخاري: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أيما رجل أدركته الصلاة فليصل» دليل على أن المراد الأرض كلها، فإنه قد تدركه في أرض رمل أو جص أو غير ذلك كما تدركه في أرض عليها تراب، ويجوز أن يكون ذكر التربة خرج مخرج الغالب، لا أنه يجوز غيره.

فإن قلت: قوله " فليصل " لا يدل على أنه يتيمم ويصلي، بل إذا لم يجد تراباً يصلي بغير وضوء على حسب حاله عنده فلا حجة فيه.

قلت: المنع أولاً، فإنه لا يصلي بغير طهور عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية عن محمد، وبأنه تلزمه الإعادة عند من يأمره بالصلاة بغير طهور، ولا إعادة ها هنا لوجهين: أحدهما لم

<<  <  ج: ص:  >  >>