وإن قال: أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه؛ لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره وذلك بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء. ولو قال: برئت، قال محمد: هو مثل الثاني؛ لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء فيثبت الأدنى إذ لا يرجع الكفيل بالشك. وقال أبو يوسف: هو مثل الأول لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب، وإليه الإيفاء دون الإبراء.
ــ
[البناية]
الكفيل فكذا هذا.
م:(وإن قال) ش: أي الطالب م: (أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره، وذلك) ش: يكون م: (بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء) ش: لأن البراءة في هذه الصورة ابتداؤها من الطالب، وهذا لا يكون إلا بالإسقاط، فإذا أسقط من الكفيل لا يرجع؛ لأن براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل م:(ولو قال: برئت) ش: ولم يقل إلي م: (قال محمد: هو مثل الثاني) ش: أي مثل قوله: أبرأتك م: (لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء) ش: ويحتمل البراءة بالإبراء، فإذا كان كذلك م:(فيثبت الأدنى) ش: وهو البراءة بالإبراء لا البراءة بالأداء وهو الإسقاط، وبقوله قالت الثلاثة م:(إذ لا يرجع الكفيل بالشك) ش: هذا نسخة بكلمة أو لا يرجع، والظاهر أن هذا دليل آخر وهو أنه لا يرجع بالشك لاحتمال الأمرين المذكورين فافهم فإن هذا موضع لا يتيقظ فيه كل أحد.
م:(وقال أبو يوسف: هو مثل الأول) ش: وهو قوله برئت إلي من المال م: (لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب) ش: فإنه ذكر حرف الخطاب وهو التاء، وذلك إنما يكون بفعل مضاف إليه على الخصوص كما إذا قيل قمت وقعدت مثلا م:(وإليه) ش: أي وإلى المطلوب م: (الإيفاء دون الإبراء) ش: تقرير هذا أنه أخبر على البراءة بفعل يتعدى عن المطلوب وهو الكفيل إلى الطالب، وذلك بالإيفاء يكون لأنه هو الذي يتعدى من المطلوب إلى الطالب دون الإبراء إذ الإبراء يتعدى من الطالب إلى المطلوب.
وقيل: أبو حنيفة مع أبي يوسف في هذه المسألة، وكان المصنف اختاره فأخره وهو أقرب الاحتمالين، فالمصير إليه أولى، وما قاله محمد إنما يستقيم إذا كان الاحتمالان على السواء وقد يرجح أحد الاحتمالين وهو البراءة بالقبض، لأنه كالحقيقة والآخر كالمجاز. وقيل: برئت مطاوع أبرأتك فتكون حقيقة أيضا.
واختلف مشايخنا المتأخرون فيما إذا قال المدعى عليه أبرأني المدعي من الدعوى التي يدعي علي يكون إقرارا، كما لو قال: أبرأني من هذا المال. وقيل: لا يكون إقراره لأن الدعوى قد تكون حقًّا وباطلا، ولو قال الطالب للكفيل: أنت في حل من المال فهو كقوله أبرأتك بإجماع الأئمة الأربعة، لأن لفظ الحل يستعمل في البراءة بالإبراء دون البراءة بالقبض، كذا ذكره المحبوبي.