قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده شرط الوكالة كون التوكيل حاصلاً بما يملكه، بيانه أن الشرط عنده أن يكون الوكيل مالكاً لذلك التصريف الذي وكل به، ولهذا قالا: كل عقد لا يجوز للموكل أن يباشره بنفسه لا يجوز للموكل أن يباشره له كما وكله ببيع الدم والميتة.
قلنا: ينتقض هذا الكلي بعقد الصرف، فإنه لا يجوز للموكل أن يباشره بنفسه إذا كان غائباً، ويجوز للوكيل أن يتولاه، وكذلك الحاكم لا يجوز أن يحكم لنفسه، ويجوز أن يحكم له غيره، والقياس على الدم والميتة ضعيف؛ لأن أهل الذمة لا يعتقدونه مالاً، فلا يملك الوكيل تصرفه.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الشرط الذي يشرطه القدوري يستقيم على مذهب الكل، وإنما خص هذا القائل للاستقامة على مذهبهما؛ لأنه لم يدرك كنه كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذ مضمونه كلامه: أن الوكالة لها شرط في الموكل وشرط في الوكيل:
فالأول: أن يكون الموكل ممن يملك التصرف ويلزمه الأحكام.
والثاني: أن يكون الوكيل ممن يعقل البيع ويقصده، ومعنى قوله: أن يكون ممن يملك التصرف، أن يكون له ولايته شرعاً في جنس التصرف بأهلية نفسه، بأن يكون عاقلاً بالغاً على وجه يلزمه حكم التصرف، وهذا المعنى حاصل في توكيل المسلم الذمي في الخمر والخنزير بيعاً وشراء؛ لأن المسلم الموكل عاقل بالغ له ولاية شرعاً في جنس التصرف، إلا في كل الأفراد على وجه يلزمه التصرف فيما يتصرف بولايته.
والشرط الآخر: وهو أن يعقل البيع ويقصده حاصل في الوكيل أيضاً وهو الذمي؛ لأنه يعقل معنى البيع والشراء، أو يقصده، فصح الشرط إذن على مذهب الكل.
وقال الأكمل: - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد قوله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ومن شرط الوكالة أن يكون الموكل ممن يملك التصرف ويلزمه الأحكام. قال صاحب " النهاية " إن هذا القصد وقع على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -، وأما على قول أبي حنيفة فمن شرطها أن يكون الوكيل ممن يملك التصرف؛ لأن المسلم لا يملك التصرف في الخمر، ولو وكل به جاز عنده، ومنشأ هذا التوهم أن جعل اللام في قوله يملك التصرف للعبد أي يملك التصرف الذي وكل به.
وأما إذا جعلت للجنس حتى يكون معناه يملك جنس التصرف احترازاً عن الصبي والمجنون فيكون على مذهب الكل.
م:(وتلزمه الأحكام) ش: قيل هذا احتراز عن الوكيل، فإن الوكيل لا يثبت له حكم تصرفه حتى لا يملك الوكيل بالشراء المبيع ولا الوكيل بالبيع الثمن، فلا يصح توكيل الوكيل غيره، وقيل: