روايات: إحداها: لا يجوز المسح أصلاً. ثانيها: يكره، ثالثها: يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه. رابعها: يجوز مؤقتاً. خامسها: يجوز للمسافر دون المقيم. سادسها: قال النووي: كل هذا الخلاف باطل مردود. وقال أبو بكر: ومن روى عن مالك إنكاره مستدلاً بأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أقاموا بالمدينة أعمارهم ولم يرو عن أحد منهم أنه مسح على الخفين فهو وهم منه، ولا يلزم؛ لأن هذه الحيلة العزيزة الكريمة فعلت الأفضل في ترك المسح وسن الجواز رفقاً بالأمة.
قلت: روي «عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:" كنت معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً فتوضأ ومسح على خفيه» رواه مسلم، وفي رواية البيهقي:«سباطة قوم بالمدينة» . وعن الإسماعيلي الحافظ كذلك، وقال في " الإمام ": وقد وقع لنا من جهة ابن أبي نعيم «عن المغيرة أنه مسح مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة،» وقد علم أن الإثبات مقدم على النفي.
فإن قلت: المسح أفضل أم الترك؟ قلت: الغسل أفضل، وبه قال الشافعي، ومالك، وروى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ورواه البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري أيضاً. وقال الشعبي، والحاكم، وحماد، والإمام الرستغفني من أصحابنا: إن المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد. إما لنفي التهمة عن نسبته إلى الروافض والخوارج، فإنهم لا يرونه كما قلنا، وإما للعمل بقراءة النصب والجر. وعن أحمد في رواية أخرى عنه أنها سواء، وهو اختيار ابن المنذر. واحتج من فضل المسح بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث المغيرة:«بهذا أمرني ربي» ، رواه أبو داود، والأمر إذا لم يكن للوجوب يكون ندباً.
ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:«رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر» . ذكره ابن خزيمة في " صحيحه ". وفي حديث صفوان:«رخص لنا أن لا ننزع خفافنا» رواه النسائي، والأخذ بالعزيمة أولى. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، والروايات الصحاح بخلاف ذلك.