وهذا لأنه يطالبه بتسليم ما سلم إليه وهو النصف. ولهذا كان له أن يأخذه فكذا يؤمر هو بالدفع إليه، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه طالبه بدفع نصيب الغائب لأنه يطالبه بالمفرز وحقه في المشاع والمفرز المعين يشتمل على الحقين ولا يتميز حقه إلا بالقسمة وليس للمودع ولاية القسمة، ولهذا لا يقع دفعه قسمة بالإجماع، بخلاف الدين المشترك لأنه يطالبه بتسليم حقه لأن الديون تقتضي بأمثالها.
ــ
[البناية]
الدين المشترك بأن باعا عبداً مشتركاً إذا حضر أحدهما كان له أن يطالب المديون، فكذا هذا م:(وهذا) ش: أي توضيح لما ذكره م: (لأنه يطالبه بتسليم ما سلم إليه) ش: أي لأن الحاضر يطلب المودع بتسليم ما سلم إليه من الوديعة م: (وهو النصف، ولهذا كان له) ش: أي للمودع م: (أن يأخذه) ش: أي أن يأخذ نصيبه الذي هو النصف م: (فكذا يؤمر هو بالدفع إليه) ش: أي كما أن له أن يأخذ، فكذا يؤمر بالدفع إلى المالك الحاضر.
م:(ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه طالبه) ش: أي أن الحاضر طالب المودع م: (بدفع نصيب الغائب، لأنه يطالبه بالمفرز) ش: أي المقسوم، وليس له فيه حق م:(وحقه في المشاع والمفرز المعين يشتمل على الحقين) ش: أي حق الحاضر والغائب م: (ولا يتميز حقه إلا بالقسمة، وليس للمودع ولاية القسمة) ش: لأنه ليس بوكيل في ذلك: م: (ولهذا لا يقع دفعة قسمة بالإجماع) ش: حتى لو ملك الباقي في يد المودع ثم حضر الغائب له أن يشاركه في المأخوذ بالإجماع. فثبت أن القسمة ليست بنافذة.
م:(بخلاف الدين المشترك، لأنه يطالبه بتسليم حقه) ش: أي حق المديون، لأنه يسلم مال نفسه لا مال غيره م:(لأن الديون تقضي بأمثالها) ش: لا بأعيانها، فدفعه نصيب الحاضر يصرف في ملك نفسه وليس فيه قسمة على الغائب، أما المودع يدفع مال الغير. ألا ترى إذا غاب واحد وله عند آخر دين في الوديعة فجاء رجل وادعى الوكالة منه يقبض الدين والوديعة فصدقه أمر بتسليم الدين دون الوديعة وقد نظر صاحب " العناية " في صرف الشراح الضمير في قوله بتسليم حقه إلى المديون.
وقال: لأن الإنسان لا يؤمر بالتصرف في ماله بالدفع إلى من لا يجب له عليه ذلك والحق أن الضمير في حقه للشريك لا للمديون، ومعناه لأن الشريك يطالب المديون بتسليم، أي بقضاء حقه، وحقه من حيث القضاء ليس بمشترك بينهما، لأن الديون تقضي بأمثالها، والمثل مال المديون ليس بمشترك بينهما، والقضاء إنما يقع بالمقاصة، وفي نظره نظر؛ لأن عبارة المصنف تشعر بأن الضمير يرجع إلى المديون على ما لا يخفى. وقوله: لأن الإنسان لا يؤمر إلى آخره ليس كذلك؛ لأن المأمور هنا بالدفع، وإنما هو إلى من يجب له عليه ذلك، ولا كلام في عدم جواز الأمر بالدفع إلى من لا يجب عليه ذلك فافهم.