وهي تمليك المنافع بغير عوض. وكان الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هي إباحة الانتفاع بملك الغير؛ لأنها تنعقد بلفظة الإباحة ولا يشترط فيها ضرب المدة، ومع الجهالة لا يصح التمليك، وكذلك يعمل فيها النهي.
ــ
[البناية]
ورواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وسكت عنه، وقال: له شاهد صحيح، ثم أخرجه عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار من صفوان بن أمية أدرعًا وسلاحًا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعارية مؤداة، قال: " نعم عارية مؤداة» ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي عن إسحاق بن عبد الله حدثنا خالد بن عبد الله الحذاء به.
فإن قلت: في الروايتين إشكال؛ لأن في أحدهما قال: بل عارية مضمونة، وفي الأخرى قال عارية مؤداة.
قلت: قال صاحب التنقيح: هذا دليل على أن العارية منقسمة إلى مؤداة ومضمونة، قال: ويرجع ذلك إلى المعير، فإن شرط الضمان كانت مضمونة وإلا فهي أمانة، قال: وهو مذهب.
وعنه أنها مضمونة بكل حال. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يضمن إلا إذا فرط فيهما، وسيجيء تحرير الكلام فيه عن قريب إن شاء الله تعالى. ومقصود المصنف بهذا هاهنا إثبات جواز العارية فقط، وأما بيان حكمها في الضمان وعدمه، فسيقوله عن قريب.
م:(وهي تمليك المنافع) ش: جنس يتناول الإجارة وغيرها، وقوله م:(بغير عوض) ش: يخرجها م: (وكان الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هي إباحة الانتفاع بملك الغير) ش: ذكر الضمير مع كون العارية مؤنثة إما باعتبار المذكور، وإما باعتبار أن العارية في الأصل إما مصدر كالعاقبة والكاذبة أو اسم للمصدر، وكل منهما يستوي فيه التذكير والتأنيث بقوله: قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله، واستدل الكرخي على ذلك بأربعة أوجه:
الأول: هو قوله م: (لأنها تنعقد بلفظة الإباحة) ش: فإن قال المعير: أبحت لك هذا الثوب مثلًا يكون عارية، والتمليك لا ينعقد بلفظة الإباحة.
الثاني: هو قوله م: (ولا يشترط فيها ضرب المدة، ومع الجهالة لا يصح التمليك، وكذلك يعمل فيها النهي) ش: أي لا يشترط في العارية بيان المدة والتمليك يقضي أن تكون المنافع معلومة؛ لأن تمليك المجهول لا يصح ولا يعلم بضرب المدة وهو ليس بشرط في العارية، فكان تمليكًا للمجهول.