لأنهما لتمليك العين، وعند عدم إرادته الهبة تحمل على تمليك المنافع تجوزا، قال: وأخدمتك هذا العبد لأنه أذن له في استخدامه، وداري لك سكنى لأن معناه سكناها لك، وداري لك عمري سكنى لأنه جعل سكناها له مدة عمره، وجعل قوله سكنى تفسيرا لقوله لك؛ لأنه يحتمل تمليك المنافع فحمل عليه بدلالة آخره.
ــ
[البناية]
قال الشيخ حافظ الدين: كان ينبغي أن يقول إذا لم يرد بهما بدليل التعليل، ثم أجاب بأن الضمير يرجع إلى المذكور، قلت: المذكور شيئان: أحدهما: قوله ومنحتك هذا الثوب والآخر حملتك على هذه الدابة م: (لأنهما) ش: أي لأن قوله منحتك هذا الثوب وحملتك على هذه الدابة م: (لتمليك العين) ش: يعني حقيقة م: (وعند عدم إرادته الهبة تحمل على تمليك المنافع تجوزًا) ش: أي مجازًا من حيث العرف العام.
واستشكل حافظ الدين هنا أيضًا من وجهين:
الأول: أنه جعل هذين اللفظين حقيقة لتمليك العين، ومجازًا لتمليك المنفعة، ثم ذكر في كتاب الهبة في بيان ألفاظها وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحملان الهبة. وعلل بأن الحمل هو الإركاب حقيقة فيكون عارية لكنه يحتمل الهبة، وهذا تناقض ظاهر.
والثاني: أنهما لما كان التمليك حقيقة، والحقيقة تراد باللفظ بلا نية عندهم، فعند عدم إرادة الهبة لا يحمل على تمليك المنفعة بل على الهبة.
وتحدى الأترازي بالجواب بقوله: نعم إن لفظ حملتك لا يدل على الإركاب لغة، ولكن يدل على التمليك عرفًا، يقال: حمل الأمير فلانًا، ويراد التمليك ويستعمل للعارية أيضًا، قال تعالى:{إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}[التوبة: ٩٢] أي لتركبهم، فإذا نوى العارية أو الهبة كان كما نوى، وإن لم ينو شيئًا كان عارية لإنباء المتيقن بها.
قلت هذا جواب عن الاستشكال الثاني على أنه يدل على أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى النية لما فقدت، يحمل اللفظ على أولى الاحتمالين وهو تمليك المنفعة، وهذا خلاف قاعدة الأصول.
م:(قال: وأخدمتك هذا العبد؛ لأنه أذن له في استخدامه) ش: وذلك يكون عارية م: (وداري لك سكنى؛ لأن معناه سكناها لك) ش: فإذا كان معناه هذا يكون عارية، م:(وداري لك عمري سكنى؛ لأنه جعل سكناها له مدة عمره، وجعل قوله سكنى. تفسيرًا لقوله: لك) ش: لأنه منصوب على التمييز من قوله لك م: (لأنه) ش: أي لأن قوله: لك م: (يحتمل تمليك المنافع) ش: كما يحتمل تمليك العين، فإذا ميزه تيقنت المنفعة م:(فحمل عليه) ش: أي على تمليك المنافع م: (بدلالة آخره) ش: أي آخر الكلام، وهذا حمل المحتمل على المحكم؛ لأنه سكنى في العارية.