ولنا أن القبض بمنزلة القبول في الهبة من حيث إنه يتوقف عليه ثبوت حكمه وهو الملك، والمقصود منه إثبات الملك فيكون الإيجاب منه تسليطا له على القبض، بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق؛ لأنا إنما أثبتنا التسليط فيه إلحاقا له بالقبول، والقبول يتقيد بالمجلس، فكذا ما يلحق به. بخلاف ما إذا نهاه عن القبض في المجلس؛ لأن الدلالة لا تعمل في مقابلة الصريح.
ــ
[البناية]
م:(ولنا) ش: أراد به وجه الاستحسان، قيل ذكر لنا هاهنا غير مناسب؛ لأنه ذكر القياس والاستحسان ولم يذكر قول الخصم في المتن، فلم يكن ذكر لنا مناسبا، بل كان المناسب أن يقول وجه الاستحسان.
قلت: لما كان القياس هو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجه الاستحسان قولنا ناسبه أن يقول ولنا، وإن لم يصرح بذكر الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م:(أن القبض بمنزلة القبول في الهبة) ش: أي القبض في الهبة بمنزلة القبول في البيع، وقوله في الهبة يتعلق بقوله أن القبض لا بقوله القبول، فافهم، وكون القبض فيها مثل القبول في البيع م:(من حيث إنه يتوقف عليه ثبوت حكمه وهو الملك) ش: أي على القبول، فإذا كان القبض مثل القول لا يثبت حكم الملك إلا بالقبض، كما لا يثبت الملك إلا بالقبول م:(والمقصود منه) ش: أي مقصود الواهب من عند الهبة م: (إثبات الملك) ش: للموهوب له م: (فيكون الإيجاب منه) ش: أي من الواهب م: (تسليطا له على القبض) ش: تحصيلا بمقصوده، فكان أدنى دلالة.
م:(بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق) ش: حيث يشترط فيه الإذن صريحا م: (لأنا) ش: وفي بعض النسخ لأنه، أي لأن الشأن:(إنما أثبتنا التسليط فيه إلحاقا له) ش: أي للقبض م: (بالقبول والقبول يتقيد بالمجلس، فكذا ما يلحق به) ش: أي بالقبول وهو القبض.
م:(بخلاف ما إذا نهاه) ش: كان ينبغي أن يقول وبخلاف بواو العطف عطفا على قوله بخلاف ما إذا قبض بعد الافتراق، لأن حكمها واحد، وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال يلزم على هذا ما إذا نهى من القبض، فإن التسليط موجود ولم يجوز له القبض، وتقرير الجواب أنه إذا نهاه يعني صريحا م:(عن القبض في المجلس) ش: بأن قال له لا تقبض فإنه لا يصح قبضه في المجلس وبعده م: (لأن الدلالة لا تعمل في مقابلة الصريح) ش: أراد بالدلالة الإذن الحاصل من إيجاب الواهب للقبض، والصريح هو قوله لا تقبض فإن الإذن الذي حصل من الإيجاب دلالة تبطل بوجود صريح النهي؛ لأن الدلالة لا تقابل الصريح وفيه مناقشتان:
الأولى: أن القبض لو كان بمنزلة القبول لما صح الأمر بالقبض بعد المجلس كالبيع. الثانية: أن مقصود البائع من البيع ثبوت الملك للمشتري، ثم إذا تم الإيجاب والقبول والمبيع حاضر لم يجعل إيجاب البائع تسلطا على القبض، حتى لو قبضه المشتري بدون إذنه