رواه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان، ولهذا لما أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان والترمذي، فإذا كان كذلك كيف يقبل قول النووي في حق الترمذي: ولا يقبل قول الترمذي في أنه حسن صحيح، فإذا طعن في الترمذي في تصحيحه هذا الحديث فكيف يؤخذ بتصحيحه في غيره.
وأما البيهقي فإنه نقل ما قاله واعتمد عليه من غير رواية؛ لأنه ادعى في هذا الحديث المخالفة للأئمة الحملة، وقد قلنا: إنه ليس فيه مخالفة، بل أمر زائد مستقل، فلا يكابر في هذه الأسانيد متعصب.
وأما حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن ماجه في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن عيسى ابن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبي موسى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» .
فإن قلت: هذا الحديث لم يذكره ابن عساكر في " الأطراف " فلذلك قال الزيلعي: لم أجده في نسختي. قلت: عزاه ابن الجوزي في " التحقيق " لابن ماجه، وكذا ذكر في " الإمام " أنه لابن ماجه، ويمكن أن يكون ساقطاً من بعض النسخ.
فإن قلت: قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل ولا بالقوي، وقال البيهقي: والضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان لا يحتج به. قلت: قال عبد الغني في " الكمال ": الضحاك بن عبد الرحمن سمع أباه، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وعيسى بن سنان، قال يحيى بن معين: إنه ثقة.
وأما حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطبراني في " معجمه " من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:«كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين والجوربين» واحتج الأترازي لهما بحديث أبي موسى ولم ينسبه إلى أحد، وكذا الأكمل ثم قال: على أن أبا داود طعن فيه، وقال: ليس بالمتصل ولا بالقوي، ولم أر أحداً منهم يشد مذهبه بكلام يرد خصمه رداً قطعياً، ولا تكلم في حال حديث حين يذكره للاحتجاج، غاية قولهم: ويروى افترى ونحو ذلك، وليس فيه نفع ولا نفيع.