للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنا جوزناه لحاجة الناس إليه، وقد شهدت

ــ

[البناية]

العقد إلى أن يوجد، فإنما لوجده حال وجود وعدم في بيعه حال العدم مخاطرة وقمار، وبذلك علل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المنع حيث قال: «أرأيت إن منع الله الثمرة فهل يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق» . وأما ليس له إلا حالة واحدة، والغالب فيه السلامة فليس العقد عليه مخاطرة ولا قمارًا وإن كان فيه مخاطرة يسيرة، فالحاجة داعية إليه.

قلت: لا نسلم فساد القياس المذكور ولا معارضة المعنى الفارق للمعنى في الجامع، وكيف تكون هذه المنافع متحققة الوجود بجريان العادة بحدوثها وهي إعراض لا يبقى زمانين فتكون معدومة بهذا الاعتبار، وبيع المعدوم لا يجوز ولصحة القياس المذكور.

وقال شمس الأئمة السرخسي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قيام العين المنتفع بها مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليه ليترتب القبول على الإيجاب كقيام الذمة التي هي محل المسلم فيه مقام المعقود عليه في جواز السلم، وتنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة ليقترن الانعقاد بالاستيفاء فيستحق بهذه الطريق التمكن من الاستيفاء المعقود عليه.

وقد قيل في وجه إباء القياس جوازه أن موجب العقد التسليم في الحال، وليس في الإجارة ذلك وفيه نظر؛ لأن موجب العقد إما أن يكون ما أوجبه الشارع بالعقد أو ما أوجبه العاقدان مما يسوغ لهما أن يوجباه، وكلاهما متفق في هذه الدعوى.

أما الأول فظاهر.

وأما الثاني فكذلك؛ لأنهما تارة يعقدان على الوجه المذكور، وتارة يشترطان التأخير. إما في الثمن وإما في المثمن، وقد يكون للبائع غرض صحيح، ومصلحة في تأخير تسليم المبيع كما كان لجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غرض صحيح في تأخير تسليم بعيره إلى المدينة.

واتفق العلماء على جواز تأخير التسليم إذا كان العرف يقتضيه، كما إذا باع مخزنًا له فيه متاع كثير لا ينقل في يوم ولا أيام فلا يجب عليه جمع دواب البلد ونقله في ساعة واحدة، بل قالوا هذا يستثنى بالعرف، وكذلك من اشترى ثمرة بدا صلاحها ليس عليه أن يجمع القطافين في أوان واحد لقطفها جملة واحدة، وإنما يقطفها كما جرت به العادة.

م: (إلا أنا جوزناه) ش: أي عقد الإجارة م: (لحاجة الناس إليه) ش: قد يحتاج إلى منافع الأعيان لإقامة المصالح، ولا يجد الثمن ليشتري العين، وصاحب الأعيان قد يحتاج إلى الدراهم ولا يتهيأ له البيع، والفقير يحتاج إلى المال والغني إلى الأعمال. فلو لم تجز الإجارة لضاق الأمر على الناس، ولهذا يترك القياس كما جاز السلم لحاجة المفاليس م: (وقد شهدت

<<  <  ج: ص:  >  >>