وقال صاحب العناية: الدليل ليس بواضح، لأن مدار قوله لأنه هو المقصود وهو ممنوع، بل المقصود هو الإرضاع وانتظام أمر معاش الصبي على وجه خاص يتعلق بأمور وسائط منها اللبن فجعل العين المربية منفعة ونقض القاعدة الكلية أن عقد الإجارة عقد على إتلاف المنافع مع الغنى عن ذلك بما هو وجه صحيح ليس بواضح ولا نسلم له بما روى ابن سماعة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه ليس بظاهر الرواية.
ولئن كان فنحن بمعنى أن يستحق بعقد الإجارة وإنما الكلام في استحقاقه من حيث كونه مقصودا أو تبعا وليس في كلام محمد ما يدل على شيء من ذلك.
قلت: قول شمس الأئمة هو الأقرب إلى الفقه، لأن الأعيان تحدث شيئا فشيئا من يقع أصلها بمنزلة المنافع فتجوز إجارتها كالعارية لمن ينتفع بالمتاع ثم يرده، والعرية لمن يأكل ثمرة الشجرة ثم يردها، والمتخذ لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها، وإجارة الظئر ثابتة بنص القرآن الموافق للقياس الصحيح.
فيجب أن يكون أصلا يقاس عليها إجارة الشجر لثمرها وإجارة البقر للبنها والشاة ونحوها لا أن تجعل إجارة البقر لشرب لبنها باطلة ويقاس عليها إجارة الظئر كما ذكره المصنف.
وقد نص مالك على جواز إجارة الحيوان مدة للبنه، ثم من أصحابه من جوز ذلك مطلقا تبعا لنصه، ومنهم من منعه، ومنهم من شرط فيه شروطا.
وقد ورد عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ضمن حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين، وهذا بمشهد من الصحابة ولم يرد أن أحدا منهم أنكره عليه.
وجوز ذلك بعض أصحاب أحمد، وجوز مالك ذلك تبعا للأرض قدر الثلث ولا شك أن المقصود من الظئر إنما هو اللبن والحمل والخدمة فتبع.
وإذا قيل: إن الخدمة هي الأصل كان في ذلك قلب للوضع، ونظير ذلك ما قيل في الحمام، وأن الأجرة في مقابله العقود في الحمام، وإن استعمال الماء الجاري فيه تبع، وهذا قلب الموضوع أيضا.
بل الحق أن استئجار الظئر إنما هو لإرضاع الولد بلبنها على جاري العادة في ذلك، وإن حمله وإلقامه الثدي ونحو ذلك تبع غير مقصود بالقصد الأول. ومن كابر في ذلك كان بمنزلة المكابر في الحسيات.
وكذلك دخول الحمام إنما هو المقصود فيه بالقصد الأول استعمال مائه. وكيف يقول