عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال:«كان الرجل والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعاً، كانت المرأة تستشرف للرجل، فألقى الله تعالى عليهن الحيض ومنعهن من المساجد» وعنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، نحوه.
وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن ابتداء الحيض كان على حق حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - بعد أن هبطت من الجنة» .
قلت: هذا أقرب وأوجه؛ لأن الطبري روى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وغيره: أن قَوْله تَعَالَى في قصة إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ}[هود: ٧١](هود: الآية ٧١) ، أي حاضت، والقصة في سورة بني إسرائيل بلا ريب. ثم الكلام فيه في عشرة مواضع في: تفسيره لغة، وشرعاً، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه، وأوانه، ووقت ثبوته، وحكمه.
أما تفسيره لغة: فقال صاحب " الدراية ": الدم الخارج، يقال: حاضت السمرة وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم، ويقال حاضت الأرنب إذا خرج منها شيء كالدم، وقال الأترازي: الحيض في اللغة: خروج الدم، يقال: حاضت الأرنب إذا خرج منها الدم. وقال الأكمل: الحيض في اللغة الدم الخارج، ومنه حاضت الأرنب، وكذلك قال السغناقي وتاج الشريعة.
قلت: ليس كذلك، بل الحيض في اللغة عبارة عن السيلان، سواء كان دماً أو ماء أو نحوهما، يقال: حاض السيل والوادي، وحاض المشجون إذا قذف شيئاً أحمر يشبه الدم. وفي " المبسوط ": حاضت السمرة: إذا خرج منا الصمغ الأحمر، قال عمار بن عقيل:
حالت حضاهن الذراري وحيضت ... عليهن حيضات السيول الطواحم
وقال الصاغاني: التحييض التسييل، ثم أنشد هذا البيت. والطواحم جمع طاحمة من طحمة السيل، وهي دفعة ومعظمه كذلك طحمة الليل. ويقال: حاضت الأرنب وحاضت المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً، وعن اللحياني: حاض وحاض وحاض وجاز كلها بمعنى، وفي " المغرب ": المحيض موضع الحيض، وهو الفرج.
قلت: يتصرف منه العد والموضع والزمان والهيئة، وكلها وردت في ألفاظ الحديث.
والمرأة حائض، وفي اللغة الفصيحة الثابتة بغير تاء، واختلف النحاة في ذلك، فقال الخليل: لما لم تكن جائزة على الفعل كان منزلة المنسوب عنده بمعنى حائض، أي ذات حيض، كذارع وتامر وطامس ولابن، وكذا طالق وطامث وقاعد للآية: أي ذات طلاق، بمعنى أن الطلاق ثابت