ولا ضرورة إلا إذا خاف على النفس أو على العضو، حتى لو خيف على ذلك بالضرب الشديد وغلب على ظنه ذلك يباح له ذلك ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به ولم يأكل فهو آثم؛ لأنه لما أبيح كان بالامتناع معاونا لغيره على إهلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يأثم لأنه رخصة، إذ الحرمة قائمة فكان آخذا بالعزيمة. قلنا: حالة الاضطرار مستثنى بالنص وهو تكلم بالحاصل بعد الثنيا فلا محرم، فكان إباحة لا رخصة، إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة؛
ــ
[البناية]
م:(ولا ضرورة إلا إذا خاف على النفس أو على العضو، حتى لو خيف على ذلك بالضرب الشديد) ش: أي التلف م: (وغلب على ظنه يباح له ذلك ولا يسعه أن يصبر على ما توعد به، فإن صبر حتى أوقعوا به) ش: أي قتلوه أو أتلفوا عضوه م: (ولم يأكل فهو آثم) ش: أي في ظاهر الرواية، وكذا هذا فيمن أصابته مخمصة.
وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول صحيح وأحمد في رواية ومالك م:(لأنه لما أبيح) ش: من حيث إن حرمة هذه الأشياء كانت باعتبار خلل يعود إلى البدن أو العقل أو العرض وحفظ ذلك مع فوات النفس غير ممكن م: (كان بالامتناع) ش: عن الإقدام م: (معاونا لغيره على إهلاك نفسه فيأثم كما في حالة المخمصة وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يأثم) ش: وبه قال الشافعي في قول وأحمد في رواية م: (لأنه رخصة) ش: أي لأن الإقدام على ذلك رخصة م: (إذ الحرمة قائمة) ش: أي إذ الحرمة بصفة أنها ميتة أو خمر قائمة، فإذا امتنع عن ذلك م:(فيكون آخذا بالعزيمة) ش: فلا يأثم.
م:(قلنا: حالة الاضطرار مستثنى بالنص) ش: هذا منع لما قاله أبو يوسف، تقريره لا نسلم أن الحرمة قائمة، لأن الله تعالى استثنى حالة الاضطرار وقال:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩](سورة الأنعام: ١١٩) .
م:(وهو) ش: أي الاستثناء دل عليه قوله مستثنى م: (تكلم بالحاصل بعد الثنيا) ش: يعني الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا، فكان لبيان أن المستثنى لم يدخل في صدر الكلام م:(فلا محرم) ش: أي إذا كان كذلك فلا يحرم حينئذ م: (فكان إباحة لا رخصة) ش: أي كان إباحة ابتداء، لأنه داخل في الحرمة ثم خرج فامتناعه من تناول الطعام الحلال حتى تلفت نفسه أو عضوه فكان آثما.
م:(إلا أنه إنما يأثم إذا علم بالإباحة في هذه الحالة) ش: هذا جواب إشكال كأنه يقول: إذا ثبت إباحته ينبغي أن لا يأثم، إذ الإنسان لا يأثم بترك المباح، فأجاب: بأنه يأثم إذا علم بالإباحة ولم يأكل حتى تلف، لأنه يصير ساعيا في إتلاف نفسه، أما إذا لم يعلم ذلك فلا يأثم