للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن الحرمة باقية والامتناع لإعزاز الدين عزيمة بخلاف ما تقدم للاستثناء

ــ

[البناية]

قلت: المفهوم من كلامه أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هو رفيقي في الجنة» في حق غير خبيب ولكن يدخل فيه خبيب بمشاركته غيره في الصبر على الأذى وغيره، والمفهوم مما ذكرنا أولا، أي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا في حق خبيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والأحرى ما قاله تاج الشريعة، لأن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا لم يثبت في حق خبيب، وإن كان هو من رفقاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجنة.

م: (ولأن الحرمة باقية) ش: لتناهي قبيح الكفر، فكان بالصبر على الإكراه مجتنبا محرم الشرع ممتثلا نهيه م: (والامتناع لإعزاز الدين عزيمة) ش: أي الامتناع عن إظهار ما توعد به لأجل إعزاز الدين عزيمة، أي أخذ بالعزيمة، ولا شك أن الأخذ بالعزيمة أفضل من الأخذ بالرخصة ولا سيما في مثل هذا الموضع م: (بخلاف ما تقدم) ش: من أكل الميتة وشرب الخمر، فإن الحرمة هناك لم تكن باقية م: (للاستثناء) ش: أراد به قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام: ١١٩] (سورة الأنعام الآية: ١٩٩) ، والاستثناء من التحريم إباحة.

فإن قلت: الله تعالى كما استثنى في إجراء كلمة الكفر أيضا في قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: ١٠٦] (سورة الأنعام: الآية ١٠٦) . قلت: من كفر بالله شرط مبتدأ وحذف جوابه لأن جواب {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: ١٠٦] دال عليه، كأنه قيل من كفر بالله فعليهم غضب إلا من أكره {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} [النحل: ١٠٦] ولا يلزم من انتفاء الغصب الإباحة. وتقريره أن في الآية تقديما وتأخيرا، وتقديره من كفر بالله من بعد إيمانه وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فالله تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه، وإنما وضع عنه العذاب والغضب وليس من ضرورة نفي الغضب وهو حكم الحرمة، لأنه ليس من ضرورة عدم الحكم عدم العلة كما في شهود الشهر في حق المسافر والمريض، فإن السبب موجود والحكم متأخر فجاز أن يكون النصب منفيا مع قيام العلة الموجبة للغضب وهو الحرمة، فلم يثبت إباحة إجراء كلمة الكفر.

هذا ما قالوه وفيه نظر، لأن المراد بالعلة إن كان هو المصطلح فذاك ممتنع التخلف عن الحكم الذي هو معلوله، وإن كان المراد بها السبب الشرعي كما مثل به فإنما يتخلف الحكم عنه بدليل آخر شرعي يوجب تأخيره كما في المثال المذكور من قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] (سورة البقرة: الآية ١٨٥) ، ولا دليل فيما نحن فيه على ذلك.

وعن هذا ذهب أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن الأمر في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن عادوا فعد» للإباحة، وقولهم لأن الكفر فيما لا تنكشف حرمته صحيح، ولكن الكلام في إجراء كلمة

<<  <  ج: ص:  >  >>