بالقصد بين ذلك. وقال غيره واليهود يعتزلون النساء بعد انقطاع الدم وارتفاعه سبعة أيام اعتزالاً يفرطون فيه إلى حد أن أحدهم لو لبس ثوبه مع ثوب امرأة لنجسوه مع ثوبه وإن ذلك من أحكام التوراة التي بأيديهن، وأن فيها أيضا من مص عظماً أو وطئ قبراً أو حضر ميتاً عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا يتخرج له منها إلا برباد البقرة التي كان الإمام الهاد تحرقها وهذا نص من يتداولونه.
ثم اعلم أنه لو وطئ الحائض مع العلم بالتحريم فليس عليه إلا التوبة والاستغفار عندنا وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومكحول، وسعيد بن جبير، وحماد، وربيعة ويحيى بن سعيد، وأيوب السختياني، والليث، ومالك، والشافعي في الجديد وأحمد في رواية وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء. وقال بعض العلماء: تجب الكفارة ديناراً، في الإقبال ونصف في الإدبار وهو القول القديم للشافعي. وحكي ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة والحسن والأوزاعي وأحمد في رواية
وإسحاق، وعن سعيد بن جبير أن عليه عتق رقبة وعن الحسن البصري أن عليه ما على المجامع في نهار رمضان.
واحتج: من أوجب الدينار أو نصفه بحديث صفية عن مقسم بن بجرة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا وقع الرجل على أهله وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار» ، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، ثم أعله البيهقي بأشياء، منها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن عباس وأن شعبة رجع عن رفعه، ومنها أنه روي مفصلاً، ومنها أن في سنده اضطراباً لأنه روي بدينار أو نصف دينار على الشك، وروي يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار وروي يتصدق بخمسي دينار وروي يتصدق بنصف دينار وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في انقطاع الدم، وروي أنه إذا كان دماً أحمر فدينار وإذا كان أصفر فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار , وإن كان أصفر فنصف دينار.
والجواب: عن ذلك كله أن الحاكم أخرجه في "مستدركه " وصححه، وكذا ابن القطان صححه وذكر الخلال عن أبي داود أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد، وهو ما رواه أبو داود حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينا أو بنصف دينار» قيل لأحمد أتذهب؟ إليه قال: نعم، إنما هو كفارة، ولئن سلمنا أن شعبة رجع عن رفعه، فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعاً، وعن عمرو بن قيس الملائي، إلا أنه أسقط عبد الحميد، وكذا أخرجه من طريق النسائي، وعمر هذا ثقة، وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعاً، وهو أيضاً أسقط عبد الحميد، ومقتضى القواعد أن رواية الرفع أشبه بالصواب؛ لأنه زيادة ثقة.