الملتزم وبالجحود تارك لذلك) ش: أي للحفظ الملتزم. وفي " المبسوط " إنما يتضمن بالمنع بعد الطلب لا بالجحود وبالجحود يحصل المنع بعد الطلب. قيل ولو سلم أن الجحود غصب حقيقة كما قال بعض أصحابنا، ولكنه ليس بغصب موجب للضمان كغصب الخمر والخنزير في حق المسلم، وهذا الموضع هو الذي وعد المصنف قبل باب السلم بقوله: وبينته في الغصب عند قوله: ومن باع دارا لرجل فأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي يوسف آخرا.
فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من غصب شبرا من الأرض طوقه الله به يوم القيامة عن سبع أرضين» صريح في إطلاق اسم الغصب في الدور والعقار، فلو لم يكن الغصب متحققا فيها لم يطلق، والكلام على حقيقته ما لم يقم دليل على المجاز.
قلت: الحديث لا يدل على ذلك؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل جزاء غصب الأرض التطويق يوم القيامة. ولو كان الضمان واجبا لبينه؛ لأن الضمان في أحكام الدنيا، والحاجة إليه أمس.
والمذكور جميع جزائه، فمن زاد عليه كان نسخا، وذا لا يجوز بالقياس وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقيق الغصب الموجب للضمان، كما أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطلق لفظ البيع على الحر بقوله من باع حرا، ولا يدل ذلك على البيع الموجب لحكم، على أنه جاء في الصحيحين الحكم بلفظ أخذ، فقال:«من أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنه يطوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين» فعلم أن المراد من الغصب الأخذ ظلما لا غصبا موجبا للضمان.
فإن قلت: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «على اليد ما أخذت حتى ترد» يدل على ذلك بإطلاقه، والتقييد بالمنقول خلافه.
قلت: هذا مجاز؛ لأن الأخذ حقيقة لا يتصور في العقار؛ لأن حد الأخذ أن يصير المأخوذ تبعا ليده؛ لأنه مفعول فيه فكان منصرفا إلى المنقول ضرورة ليعمل بالأخذ على حقيقته.
فإن قلت: إزالة اليد ليست بشرط في الغصب، كما لو ركب الدابة وهلكت من غير فعل فإنه يضمنها بالإجماع، وكما لو وهب دارا لرجل بما فيها من الأمتعة فهلكت الأمتعة قبل أن ينقلها الموهوب له، ثم استحقت الدار فللمستحق أن يضمن الموهوب له بلا خلاف، والمسألة في الزيادات ولم تزل إلا منفعته من يد المالك ليست بشرط.